Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " رُبَّ " حرف يستعمل للتقليل ، ويُستعمل أيضاً للتكثير على حَسْب ما يأتي من بعده ، وهو حَرْفٌ الأصل فيه أن يدخلَ على المفرد . ونحن نقول " رُبَّ أخٍ لك لم تلدْه أمك " وذلك للتقليل ، مثلما نقول " ربما ينجح الكسول " . ولكن لو قُلْنا " ربما ينجح الذكي " فهذا للتكثير ، وفي هذا استعمال للشيء في نقيضه ، إيقاظاً للعقل كي ينتبه . وهنا جاء الحق سبحانه : بـ " رُب " ومعها حرف " ما " ومن بعدهما فعل . ومن العيب أن تقول : إن " ما " هنا زائدة ذلك أن المتكلم هو ربُّ كل العباد . وهنا يقول الحق سبحانه : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] . فهل سيأتي وقت يتمنى فيه أهل الكفر أنْ يُسلموا ؟ إن " يودّ " تعني " يحب " و " يميل " و " يتمنى " ، وكل شيء تميل إليه وتتمناه يسمى " طلب " . ويقال في اللغة : إن طلبت أمراً يمكن أن يتحقق ، ويمكن ألاّ يتحقق فإنْ قُلْتَ : " يا ليت الشبابَ يعود يوماً " فهذا طَلبٌ لا يمكن أن يتحققَ لذلك يُقال إنه " تمني " . وإنْ قلت " لعلِّي أزور فلاناً " فهذا يُسمّى رجاء لأنه من الممكن أن تزور فلاناً . وقد تقول : " كم عندك ؟ " بهدف أن تعرف الصورة الذهنية لمَنْ يجلس إليه مَنْ تسأله هذا السؤال ، وهذا يُسمّى استفهاماً . وهكذا إنْ كنت قد طلبتَ عزيزاً لا يُنال فهو تمنٍّ وإن كنت قد طلبتَ ما يمكن أن يُنَال فهو الترجيّ ، وإن كنتَ قد طلبتَ صورته لا حقيقته فهو استفهام ، ولكن إنْ طلبت حقيقة الشيء فأنت تطلبه كي لا تفعل الفعل . والطلب هنا في هذه الآية يقول : { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] . فهل يتأتَّى هذا الطلب ؟ وَلْنَر متى يودُّون ذلك . إن ذلك التمنِّي سوف يحدث إنْ وقعتْ لهم أحداثٌ تنزع منهم العناد فيأخذون المسائل بالمقاييس الحقيقية . والحق سبحانه هو القائل : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . وقد حدث لهم حين وقعت غزوة بدر ، ونال منهم المسلمون الغنائم أنْ قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين ، وأخذنا تلك الغنائم . أي : أن هذا التمنِّي قد حدث في الدنيا ، ولسوف يحدث هذا عند موت أحدهم . يقول الحق سبحانه : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ … } [ المؤمنون : 100 ] . ويعلق الحق سبحانه على هذا القول : { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا … } [ المؤمنون : 100 ] . وسيتمنون أيضاً أن يكونوا مسلمين ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] . إذن : فسيأتي وقت يتمنّى فيه الكفار أن يكونوا مسلمين ، إذَا مَا عاينوا شيئاً ينزع منهم جحودهم وعنادهم ، ويقول لهم : إن الحياة التي كنتم تتمسَّكون بها فانية ولكنكم تطلبون أن تكونوا مسلمين وقت أنْ زال التكليف ، وقد فات الأوان . ويكفي المسلمين فَخْراً أن كانوا على دين الله ، واستمسكوا بالتكليف ، ويكفيكم عاراً أنْ خَسِرْتم هذا الخسران المبين ، وتتحسروا على أنكم لم تكونوا مسلمين . وفي اليوم الآخر يُعذِّب الحق سبحانه العصاة من المسلمين الذين لم يتوبوا من ذنوبهم ، ولم يستغفروا الحق سبحانه ، أو ممَّنْ لم يغفر لهم سبحانه وتعالى ذنوبهم لعدم إخلاص النية وحُسْن الطوية عند الاستغفار ، ويدخل في ذلك أهل النفاق مصداقاً لقوله تعالى : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ … } [ التوبة : 80 ] . فيدخلون النار ليأخذوا قدراً من العذاب على قدر ما عَصَوْا وينظر لهم الكفار قائلين : ما أغنتْ عنكم لا إله إلا الله شيئاً ، فأنتم معنا في النار . ويطلع الحق سبحانه على ذلك فيغار على كل مَنْ قال لا إله إلا الله فيقول : أخرجوهم وطهِّروهم وعُودوا بهم إلى الجنة ، وحينئذ يقول الكافرون : يا ليتنا كنا مسلمين ، لنخرج من النار ، ونلحق بأهل الجنة . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ … } .