Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقول الشيطان : { رَبِّ … } [ الحجر : 39 ] . هو إقرار بالربوبية ولكن هذا الإقرار متبوع بعد الاعتراف بأنه قد سبّب لنفسه الطَّرد واللعنة فقد قال : { بِمَآ أَغْوَيْتَنِي … } [ الحجر : 39 ] . والحق سبحانه لم يُغوِه بل أعطاه الاختيار الذي كان له به أن يؤمن ويطيع ، أو يعصي ويُعاقب ، فسبحانه قد مَكّن إبليس من الاختيار بين الفعل وعدم الفعل فخالف إبليسُ أمرَ الله وعصاه . ويتابع إبليس : { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الحجر : 39 ] . وفي هذا إيضاح أن كُلّ وسوسة للشيطان تقتصر فقط على الحياة المترفة . وفي الأشياء التي تُدمّر العافية ، كمَنْ يشرب الخمر ، أو يتناول المخدرات ، أو يتجه إلى كل ما يُغضب الله بالانحراف . ولذلك نجد أن مَنْ يحيا بدخْلٍ يكفيه الضرورات فهو يَأْمن على نفسه من الانحراف . ونقول أيضاً لمَنْ يحاولون أن يضبطوا موازينهم المالية : إن الاستقامة لا تُكلّف ولن تتجه بك إلى الانحراف . وتزيين الشيطان لن يكون في الأمور الحلال لأن كل الضرورات لم يُحرِّمها الحق سبحانه بل يكون التزيين دائماً في غير الضرورات ، ولذلك فالاستقامة عملية اقتصادية ، تُوفّر على الإنسان مشقة التكلفة العالية لبعض من ألوان الانحرافات . ولذلك نجد المسرفين على أنفسهم يحسدون مَنْ هم على الاستقامة ، ويحاولون أَخْذهم إلى طريق الانحراف لأن كل منحرف إنما يلوم نفسه متسائلاً : لماذا أخيب وحدي ولا يخيب معي مثل هذا المستقيم ؟ وتمتلئ نفسه بالاحتقار لنفسه . وكذلك كان إبليس في حُمْق ردِّه على الله ، ولكنه ينتبه إلى مكانته ومكانة ربه أيدخل في معركة مع الله ، أم مع أبناء آدم الذي خلقه سبحانه كخليفة ليعمر الأرض ؟ لقد حدّد إبليس موقعه من الصراع ، فقال : { فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الحجر : 36 ] . وهذا يعني أن مجالَ معركته مع الخَلْق لا مع الخالق لذلك قال : { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 39 ] . وكلمة أجمعين تفيد الإحاطةَ لكل الأفراد ، وهذا فوق قدرته بعد أنْ عرف مُقَامه من نفسه ومن ربه ، فقال ما جاء به الحق سبحانه في الآية التالية : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ … } .