Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهكذا يُخرِج الحق سبحانه من صدورهم أيَّ حقد وعداوة . ويرون أخلاء الدنيا في المعاصي وهم مُمْتلئون بالغِلّ ، بينما هم قد طهَّرهم الحق سبحانه من كل ما كان يكرهه في الآخرة ، ويحيا كل منهم مع أزواج مُطهَّرة . ويجمعهم الحق بلا تنافس ، ولا يشعر أيٌّ منهم بحسد لغيره . والغِلُّ كما نعلم هو الحقد الذي يسكُن النفوس ، ونعلم أن البعض من المسلمين قد تختلف وُجهات نظرهم في الحياة ، ولكنهم على إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم . والمثل أن علياً كرم الله وجهه وأرضاه دخل موقعة الجمل ، وكان في المعسكر المقابل طلحةُ والزبير رضي الله عنهما وكلاهما مُبشَّر بالجنة ، وكان لكل جانب دليل يُغلّبه . " ولحظةَ أنْ قامت المعركة جاء وَجْه علي - كرَّم الله وجهه - في وَجْه الزبير فيقول علي رضي الله عنه : تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما تمرَّان عليَّ ، سلَّم النبي وقلْتَ أنت : لا يفارق ابنَ أبي طالب زَهْوُه ، فنظر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لك : " إنك تقاتل علياً وأنتَ ظالِم له " . فرمى الزبير بالسلاح ، وانتهى من الحرب . ودخل طلحة بن عبيد الله على عليٍّ - كرم الله وجهه - فقال عليٌّ رضوان الله عليه : يجعل لي الله ولأبيك في هذه الآية نصيباً " فقال أحد الجالسين : إن الله أعدل من أنْ يجمعَ بينك وبين طلحة في الجنة . فقال عليٌّ : وفيما نزل إذنْ قوله الحق : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ … } [ الحجر : 47 ] . وكلمة " نزعنا " تدل على أن تغلغل العمليات الحِقْدية في النفوس يكون عميقاً ، وأن خَلْعها في اليوم الآخر يكون خَلْعاً من الجذور ، وينظر المؤمن إلى المؤمن مثله والذي عاداه في الدنيا نظرتُه إلى مُحسِن له لأنه بالعداوة والمنافسة جعله يخاف أن يقع عَيْب منه . ذلك أن المؤمن في الآخرة يذكر مُعْطيات الأشياء ، ويجعلهم الحق سبحانه إخواناً فَرُبَّ أخٍ لك لم تَلِدْه أمُّك ، والحق سبحانه هو القائل في موقع آخر : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا … } [ آل عمران : 103 ] . وقد يكون لك أخ لا تكرهه ولا تحقد عليه ولكنك لا تُجالسه ولا تُسامره لأن الأخوة أنواع . وقد تكون أخوة طيبة ممتلئة بالاحترام لكن أياً منكما لا يسعى إلى الآخر ، ويجمعكم الحق سبحانه في الآخرة على سُرُر متقابلين . وسأل سائل : وماذا لو كانت منزلة أحدهما في الجنة أعلى من منزلة الآخر ؟ ونقول : إن فَضل الحق المطلق يرفع منزلة الأَدْنى إلى منزلة الأعلى ، وهما يتزاوران . وهكذا يختلف حال الآخرة عن حال الدنيا ، فالإنسان في الدنيا يعيش ما قال عنه الحق سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } [ الانشقاق : 6 ] . ولكن الحال في الآخرة يختلف ، وينطبق عليه قول الحق سبحانه في الآية التالية : { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا … } .