Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : أنه سبحانه لا يأمر بهلاك أيّ قرية إلا في الأجل المكتوب لها . ويجعلها من المُثل التي يراها مَنْ يأتي بعدها لعله يتعظ ويتعرَّف على حقيقة الإيمان . وقد قال الحق سبحانه : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] . والمثل القريب من الذاكرة " لبنان " التي عاشت إلى ما قبل الخمسينات كبلد لا تجد فيه فندقاً لائقاً ، ثم ازدهرتْ وانتعشتْ في الستينات والسبعينات واستشرى فيها الفساد فقال أهل المعرفة بالله : " لا بُدَّ أن يصيبها ما يصيب القرى الكافرة بأنعُمِ الله " . وقد حدث ذلك وقامت فيها الحرب الأهلية ، وانطبق عليها قول الحق سبحانه : { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ … } [ الأنعام : 65 ] . وهذا ما يحدث في الدنيا ، وهي مُقدّمات تُؤكّد صِدْق ما سوف يحدث في الآخرة . وسبحان القائل : { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } [ الإسراء : 58 ] . وبطبيعة الحال فهذا ما يحدث لأيِّ قرية ظالم أهلُها لأن الحق سبحانه لا يظلم مِثْقال ذرّة . وأذكر أن تفسير النسفي قد صُودِر في عصر سابق لأن صاحب التفسير قال عند تفسيره لهذه الآية : " حدثني فلان عن فلان أن البلد الفلاني سيحصل فيه كذا والبلد الآخر سوف يحدث فيه كذا إلى أن جاء إلى مصر وقال بالنص : ويدخل مصر رجل من جهينة ، فويْل لأهلها ، ووَيْل لأهل سوريا ، ووَيْل لأهل الرَّمْلة ، ووَيْل لأهل فلسطين ، ولا يدخل بيت المقدس " . ومادام الحق سبحانه قد قال : { كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُورا } [ الإسراء : 58 ] . فهو يُعلّم بعضاً من خلقه بعضاً من أسراره ، فلا مانعَ من أن نرى بعضاً من تلك الأسرار على ألسنتهم . وحين ذاعت تلك الحكاية ، وقالوها للرئيس الذي كان موجوداً ، وقالوا له : أنت من جهينة وهم يقصدونك . صُودِر تفسير النسفي . إذن : فقد ترك الحق سبحانه لنا في الدنيا مثلاً يؤكد صِدْقه فيما يحكيه عن الوعيد لبعض القرى حتى نُصدّق ما يمكن أن يكون بعد يوم القيامة . وحين يقول الحق سبحانه : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] . فليس لأحد أن يقول : " إن ذلك لم يحدث للبلد الفلاني " لأن كُلَّ أَمْر له أجَل . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا … } .