Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 52-52)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونلحظ أن كلمة سلاماً جاءت هنا بالنَّصبْ ، ومعناها نُسلّم سلاماً ، وتعني سلاماً متجدداً . ولكنه في آية أخرى يقول : { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الذاريات : 25 ] . ونعلم أن القرآن يأتي بالقصة عَبْر لقطات مُوزّعة بين الآيات فإذا جمعتَها رسمَتْ لك ملامح القصة كاملة . ولذلك نجد الحق سبحانه هنا لا يذكر أن إبراهيم قد رَدَّ سلامهم وأيضاً لم يذكر تقديمه للعجل المَشْويّ لهم لأنه ذكر ذلك في موقع آخر من القرآن . إذن : فمِنْ تلك الآية نعلم أن إبراهيم عليه السلام قد ردَّ السلام ، وجاء هذا السلام مرفوعاً ، فلماذا جاء السلام في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها منصوباً ؟ أي : قالوا هم : { سَلاماً } [ الحجر : 52 ] . وكان لا بُدَّ من رَدٍّ ، وهو ما جاءتْ به الآية الثانية : { قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الذاريات : 25 ] . والسلام الذي صدر من الملائكة لإبراهيم هو سلام مُتجدّد بينما السلام الذي صدر منه جاء في صيغة جملة اسمية مُثْبتة ويدلُّ على الثبوت . إذ كان رَدَّ إبراهيم عليه السلام أقوى من سلام الملائكة لأنه يُوضِّح أن أخلاق المنهج أنْ يردَّ المؤمنُ التحيةَ بأحسنَ منها لا أنْ يردّها فقط ، فجاء رَدُّه يحمل سلاماً استمرارياً ، بينما سلامُهم كان سلاماً تجددياً ، والفرق بين سلام إبراهيم - عليه السلام - وسلام الملائكة : أن سلام الملائكة يتحدد بمقتضى الحال ، أما سلام إبراهيم فهو منهج لدعوته ودعوة الرسل . ويأتي من بعد ذلك كلام إبراهيم عليه السلام : { قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [ الحجر : 52 ] . وجاء في آية أخرى أنه : { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً … } [ هود : 70 ] . وفي موقع آخر من القرآن يقول : { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الذاريات : 25 ] . فلماذا أوجسَ منهم خِيفةَ ؟ ولماذا قال لهم : إنهم قومْ مُنْكَرون ؟ ولماذا قال : { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [ الحجر : 52 ] . لقد جاءوا له دون أن يتعرّف عليهم ، وقدَّم لهم الطعام فرأى أيديهم لا تصل إليه ولا تقربه كما قال الحق سبحانه : { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] . ذلك أن إبراهيم عليه السلام يعلم أنه إذا قَدِم ضَيْفاً وقُدِّم إليه الطعام ، ورفض أن يأكل فعلَى المرء ألاّ يتوقع منه الخير وأن ينتظر المكاره . وحين عَلِم أنهم قد أرسلوا إلى قوم لوط وطمأنوه بالخبر الطيب الذي أرسلهم به الله اطمأنتْ نفسه وفي ذلك تأتي الآية القادمة : { قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ … } .