Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 65-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : سِرْ أنت وأهلك في جزء من الليل . ومرة يُقَال " سرى " ، ومرة يُقال " أسرى " ويلتقيان في المعنى . ولكن " أسرى " تأتي في موقع آخر من القرآن ، وتكون مُتعدِّية مثل قول الحق : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً … } [ الإسراء : 1 ] . وقولهم هنا أسر بأهلك هو تعبير مُهذّب عن صُحْبة النساء والأبناء . ونجد في ريفنا المصري مَنْ لا يتكلم أبداً في حديثه عن المرأة أو البنات فيقول الواحد منهم " قال الأولاد كذا " ، فكأن اسم المرأة مبنيٌّ على السَّتْر دائماً ، وكذلك نجد كثيراً من الأحكام تكون المرأة مَطْمورة في حكم الرجل إلا في الأمر المُتعلِّق بها . وهنا يقول الحق سبحانه : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ … } [ الحجر : 65 ] . وكلمة " قِطع " هي اسم جمع ، والمقصود هو أن يخرج لوطٌ بأهله في جُزْء من الليل ، أو من آخر الليل ، فهذا هو منهج الإنجاء الذي أخبر به الملائكة لوطاً ، ليتبعه هو وأهله والمؤمنون به ، وأوصوه أن يتبعَ أدبار قومه بقولهم : { وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ … } [ الحجر : 65 ] . أي : أن يكون في المُؤخّرة ، وفي ذلك حَثٌّ لهم على السُّرعة . وكان من طبيعة العرب أنهم إذا كانوا في مكان ويرحلون منه فكل منهم يحمل رَحْلَه على ناقته وأهله فيها - فوق الناقة - ويبتدئون السير ، ويتخلف رئيس القوم ، واسمه " مُعقِّب " كي يرقُب إنْ كان أحد من القوم قد تخلَّف أو تعثَّر أو ترك شيئاً من متاعه ، ويُسمُّون هذا الشخص " مُعقِّب " . وهنا تأمر الملائكة لوطاً أن يكون مُعقّباً لأهله والمؤمنين به لِيحثّهم على السير بسرعة ثم لِينفذ أمراً آخرَ يأمره به الحق سبحانه : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ … } [ الحجر : 65 ] . وتنفيذ الأمر بعدم الالتفات يقتضي أن يكون لوط في مُؤخّرة القوم ذلك أن الالتفاتَ يأخذ وَقْتاً ، ويُقلّل من سرعة مَنْ يلتفت كما أن الالتفاتَ إلى موقع انتمائهم من الأرض قد يُثير الحنين إلى مواقع التَّذكار وأرض المَنْشأ ، وكل ذلك قد يُعطّل حركة القوم جميعهم لذلك جاء الأمر الإلهي : { وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } [ الحجر : 65 ] . أو : أن الحق سبحانه يريد ألاَّ يلتفت أحدٌ خَلْفه حتى لا يشهدَ العذاب ، أو مقدمة العذاب الذي يقع على القوم ، فتأخذه بهم شفقة . ونحن نعلم قول الحق سبحانه في إقامة أيِّ حدِّ من الحدود التي أنزلها : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ … } [ النور : 2 ] . فلو أن أحداً قد التفتَ إلى العذاب ، أو مُقدِّمة العذاب فقد يحِنّ إليهم ، أو يعطف عليهم رغم أن عذابهم بسبب ذنبٍ كبير ، فقد ارتكبوا جريمة كبيرة ونعلم أن بشاعة الجريمة تبهت وقد يبقى في النفس عِظَم أَلَمِ العقوبة لحظة توقيعِها على المُجرم . أو : أن الحق سبحانه يريد أن يعجل بالقوم الناجين قبل أنْ يوجد ، ولو التفزيع الذي هو مقدمة تعذيب القوم الذين كفروا من هَوْل هذا العذاب القادم . وهكذا كان الأمر بالإسراء بالقوم الذين قرر الحق سبحانه نجاتهم ، والكيفية هي أن يكون الخروجُ في جزء من الليل ، وأنْ يتبعَ لوطٌ أدبارهم ، وألاَّ يلتفتَ أحد من الناجين خَلْفه ليمضي هؤلاء الناجون حيث يأمرهم الحق سبحانه . وقيل : إن الجهة هي الشام . ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ … } .