Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 85-85)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحقُّ هو الشيء الثابت الذي لا تَعْتوره الأغيار ، والمثَل هو نظام المجرَّات وحركة الشمس والقمر تجدها مُنْضبِطة ذلك أن الإنسان لا يتدخَّل فيها ، وليس للإنسان - صاحب الأغيار - معه أيُّ اختيار . ولذلك نجد أن الفسادَ لا ينشأ في الكون من النواميس العُلْيا ، ولكن من الأمور التي يتدخَّل فيها الإنسان ، وليس معنى ذلك أنْ يتوقفَ الإنسانُ عن الحركة في الأرض ولكن عليه أنْ يرعى منهج الله ، ويمتنع عَمَّا نهى عنه وأنْ يطيعَ ما أمره به . وأنت لو طبَّقْتَ أوامر الحق سبحانه في " افعل " و " لا تفعل " لاستقامتْ الدنيا في الأمور التي لكَ دَخْل فيها كانتظام الأمور التي ليس لك دَخْل فيها . واقرأ إنْ شِئْتَ قَوْله الحق : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ * ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } [ الرحمن : 1 - 8 ] . فإن كنتم تريدون أن تنتظمَ أموركم في الحياة الدنيا فلا تطغَوْا في ميزان أيِّ شيء . وهنا يُذكِّرنا الحق سبحانه ألاَّ نقعَ في خطأ الوهم بأننا سنأخذ نِعَم الدنيا دون ضابط أو رابط فالحساب قادم لا محالة ، ولذلك قال الحق سبحانه : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [ الزخرف : 41 - 42 ] . أي : مَا قدّره الله سيقع دون أنْ يَصُدَّه شيء مهما كان ، وإمَّا ترى ذلك في حياتك ، أو تراه لحظة البَعْث . والدليل هو ما حاق بمَنْ كفروا وظلموا وكذَّبوا الرسل ، وعاثوا في الأرض مُفْسدين . وأهلكهم الحق سبحانه بعذابه تطهيراً للأرض مِنْ فسادهم ، هذا جزاؤهم في الدنيا ، وهناك جزاء آخر في اليوم الآخر . وفي هذا القول تَسلْية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو حين يُعْلِمه الله ما حاقَ بالأمم السابقة التي كذَّبت الرسل هانتْ عليه المتاعب والمشاقّ التي عاناها من قومه ، وليسهُلَ عليه من بعد ذلك أن يتذرَّع بالصبر الجميل ، حتى يأتي وَعْدُه سبحانه ، وليس عليك يا محمد أنْ تُحمّل نفسك ما لاَ تطيق . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ … } .