Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 87-87)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهنا يمتنُّ الحق سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه يكفيه أنْ أنزلَ عليه القرآن الكتاب المعجزة ، والمنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه . فالقرآن يضمُّ كمالاتِ الحق التي لا تنتهي فإذا كان سبحانه قد أعطاك ذلك ، فهو أيضاً يتحمَّل عنك كُلَّ ما يُؤلِمك . والحق سبحانه هو القائل : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } [ الحجر : 97 ] . ويقول له الحق أيضاً : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ … } [ الأنعام : 33 ] . وأزاح الحق سبحانه عنه هموم اتهامهم له بأنه ساحر أو مجنون وقال له سبحانه : { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . ويكشف له سبحانه : إنهم يؤمنون أنك يا محمد صادق ، ولكنهم يتظاهرون بتكذيبك . ويتمثَّل امتنانُ الحق سبحانه على رسوله أنه أنزل عليه السَّبْع المثاني ، واتفق العلماء على أن كلمة " المثاني " تعني فاتحة الكتاب ، فلا يُثنَّى في الصلاة إلا فاتحة الكتاب . ونجده سبحانه يَصِف القرآنَ بالعظيم وهو سبحانه يحكم بعظمة القرآن على ضَوْء مقاييسه المُطْلقة وهي مقاييس العظمة عنده سبحانه . والمثَل الآخر على ذلك وَصفْه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] . وهذا حُكْم بالمقاييس العُلْيا للعظمة ، وهكذا يصبح كُلّ متاع الدنيا أقلَّ مِمَّا وهبه الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا ينظرَنَّ أحدٌ إلى ما أُعطِىَ غيره فقد وهبه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم . ونلحظ أن الحق سبحانه قد عطف القرآن على السَّبْع المثاني ، وهو عَطْف عام على خَاصٍّ كما قال الحق سبحانه : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ … } [ البقرة : 238 ] . ونفهم من هذا القول أن الصلاة تضمُّ الصلاة الوُسْطى أيضاً ، وكذلك مثل قول الحق ما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ … } [ نوح : 28 ] . وهكذا نرى عَطْف عام على خاص ، وعَطْف خاص على عام . أو : أنْ نقولَ : إن كلمة " قرآن " تُطلَق على الكتاب الكريم المُنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول آية في القرآن إلى آخر آية فيه ، ويُطلق أيضاً على الآية الواحدة من القرآن فقول الحق سبحانه : { مُدْهَآمَّتَانِ } [ الرحمن : 64 ] . هي آية من القرآن وتُسمَّى أيضاً قرآناً . ونجده سبحانه يقول : { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] . ونحن في الفجر لا نقرأ كل القرآن ، بل بعضاً منه ، ولكن ما نقرؤه يُسمَّى قرآناً ، وكذلك يقول الحق سبحانه : { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] . وهو لا يقرأ كُلَّ القرآن بل بعضه ، إذن : فكلُّ آية من القرآن قرآن . وقد أعطى الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم السَّبْع المثاني والقرآن العظيم ، وتلك هي قِمَّة العطايا فلله عطاءاتٌ متعددة عطاءات تشمل الكافر والمؤمن ، وتشمل الطائع والعاصي ، وعطاءات خاصة بمَنْ آمن به وتلك عطاءات الألوهية لمَنْ سمع كلام ربِّه في " افعل " و " لا تفعل " . وسبحانه يمتد عطاؤه من الخَلْق إلى شَرْبة الماء ، إلى وجبة الطعام ، وإلى الملابس ، وإلى المَسْكن ، وكل عطاء له عُمْر ، ويسمو العطاء عند الإنسان بسُمو عمر العطاء ، فكل عطاء يمتدُّ عمره يكون هو العطاء السعيد . فإذا كان عطاء الربوبية يتعلَّق بمُعْطيات المادة وقوام الحياة فإن عطاءات القرآن تشمل الدنيا والآخرة وإذا كان ما يُنغِّص أيَّ عطاء في الدنيا أن الإنسانَ يُفارقه بالموت ، أو أن يذوي هذا العطاء في ذاته فعطاء القرآن لا ينفد في الدنيا والآخرة . ونعلم أن الآخرة لا نهايةَ لها على عكس الدنيا التي لا يطول عمرك فيها بعمرها ، بل بالأجل المُحدَّد لك فيها . وإذا كانت عطاءاتُ القرآن تحرس القيم التي تهبُك عطاءات الحياة التي لا تفنَى وهي الحياة الآخرة فهذا هو أَسْمى عطاء ، وإياك أن تتطلعَ إلى نعمة موقوتة عند أحد منهم من نِعَم الدنيا الفانية لأن مَنْ أُعطِي القرآن وظنَّ أن غيره قد أُعْطِي خيراً منه فقد حقر ما عَظَّم الله . وما دام الحق سبحانه قد أعطاك هذا العطاء العظيم ، فيترتب عليه قوله : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ … } .