Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 98-98)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهكذا يمكن أن تُذْهب عنك أيَّ ضيق ، أن تسبح الله . وإذا ما جافاكَ البِشْر أو ضايقك الخَلْق فاعلم أنك قادر على الأُنْس بالله عن طريق التسبيح ولن تجد أرحم منه سبحانه ، وأنت حين تُسبِّح ربك فأنت تُنزِّهه عن كُلِّ شيء وتحمده ، لتعيش في كَنَف رحمته . ولذلك نجده سبحانه يقول في موقع آخر : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الصافات : 143 - 144 ] . ولذلك إذا ضاق صدرك في الأسباب فاذهب إلى المُسبِّب . ونحن دائماً نقرن التسبيح بالحمد ، فالتنزيه يكون عن النقائص في الذات أو في الصفات أو في الأفعال ، وسبحانه كاملٌ في ذاته وصفاته وأفعاله ، فذاتُه لا تُشْبِه أيَّ ذات ، وصفاته أزلية مُطْلقة ، أما صفات الخَلْق فهي موهبة منه وحادثة . وأفعال الحق لا حاكمَ لها إلا مشيئته سبحانه ، ولذلك نجده جَلَّ وعَلا يقول في مسألة التسبيح : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا … } [ يس : 36 ] . وهو القائل : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] . وكُلٌّ من المساء والصباح آية منه سبحانه فحين تغيب الشمس ، فهذا إذْنٌ بالراحة ، وحين تصبح الشمس فهذا إِذْنٌ بالانطلاق إلى العمل ، وتسبيح المخلوق للخالق هو الأمر الذي لا يشارك اللهَ فيه أحدٌ من خَلْقه أبداً . فكأن سَلْوى المؤمن حين تضيق به أسباب الحياة أنْ يفزعَ إلى ربه من قسوة الخَلْق ليجد الراحة النفسية لأنه يَأْوي إلى رُكْن شديد . ونجد بعضاً من العارفين بالله وهم يشرحون هذه القضية ليوجدوا عند النفس الإيمانية عزاءً عن جَفْوة الخَلْق لهم فيقولون : " إذا أوحشك من خَلْقه فاعلم أنه يريد أن يُؤنسك به " . وأنت حين تُسبِّح الله فأنت تُقِرّ بأن ذاته ليستْ كذاتِك ، وصفاته ليست كصفاتك ، وأفعاله ليست كأفعالك وكل ذلك لصالحك أنت فقدرتك وقدرة غيرك من البشر هي قدرة عَجْز وأغيار أما قدرته سبحانه فهي ذاتية فيه ومُطْلقة وأَزلية ، وهو الذي يأتيك بكُل النِّعم . ولهذا فعليك أنْ تصحبَ التنزيه بالحمد ، فأنت تحمد ربك لأنه مُنزَّه عن أنْ يكونَ مثلك ، والحمد لله واجب في كل وقت فسبحانه الذي خلق المواهب كلها لِتخدُمَك ، وحين ترى صاحب موهبة وتغبطه عليها ، وتحمد الله أنه سبحانه قد وهبه تلك الموهبة فخيْرُ تلك النعمة يصِل إليك . وحين تُسبِّح بحمد الله فسبحانه لا يُخلِف وَعْده لك بكل الخير فَكُلُّنا قد نُخلِف الوعد رغماً عَنَّا ، لأننا أغيار أما سبحانه فلا يُخلِف وعده أبداً ولذلك تغمرك النعمة كلما سبَّحْتَ الله وحمدته . وزِدْ خضوعاً للمُنْعِم ، فاسجُدْ امتثالاً لأمره تعالى : { وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 98 ] . فالسجود هو المَظْهر الواسع للخضوع ، ووجه الإنسان - كما نعلم - هو ما تظهر به الوجاهة وبه تَلْقَى الناس وهو أول ما تدفع عنه أيَّ شيء يُلوِّثه أو ينال من رضاك عنه . ومَنْ يسجد بأرقى ما فيه فهذا خضوع يُعطي عِزّة ، ومَنْ يخضع لله شكراً له على نعمه فسبحانه يعطيه من العزة ما يكفيه كل أَوْجُه السجود ، وكُلُّنا نذكر قَوْل الشاعر : @ وَالسُّجـود الذِي تَـْجتـوِيه فِـيهِ مِـْن أُلـوفِ السُّـجـودِ نَـَجـاةٌ @@ والسجود هو قمة الخضوع للحق سبحانه . والإنسان يكره لفظ العبودية لأن تاريخ البشرية حمل كثيراً من المظالم نتيجة عبودية البشر للبشر . وهذا النوع من العبودية يعطي - كما نعلم - خَيْر العبد للسيد ولكن العبوديةَ لله تعطي خَيْره سبحانه للعباد ، وفي ذلك قِمَّة التكريم للإنسان . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ … } .