Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 103-103)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي هذه الآية اتهام آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراء جديد عليه ، لا يأنف القرآن من إذاعته ، فمَنْ سمع الاتهام والافتراء يجب أنْ يسمع الجواب ، فالقرآن يريد أنْ يفضحَ أمر هؤلاء ، وأنْ يُظهِر إفلاس حُججهم وما هم فيه من تخبُّط . يقول الحق تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } [ النحل : 103 ] . وقد سبق أنْ قالوا عن رسول الله " مجنون " وبرَّأه الله بقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 4 ] . والخلقُ العظيم لا يكون في مجنون لأن الخلُق الفاضل لا يُوضع إلا في مكانه ، بدليل قوله تعالى : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } [ القلم : 2 ] . وسبق أنْ قالوا : ساحر وهذا دليل على أنهم مغفلون يتخبَّطون في ضلالهم ، فلو كان محمد ساحراً ، فَلِمَ لم يسحركم كما سحر المؤمنين به وتنتهي المسألة ؟ وسبق أنْ قالوا " شاعر " مع أنهم أدْرى الناس بفنون القول شِعْراً ونثراً وخطابة ، ولم يُجرِّبوا على محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك ، لكنه الباطل حينما يَلجّ في عناده ، ويتكبّر عن قبول الحق . وهنا جاءوا بشيء جديد يُكذِّبون به رسول الله ، فقالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } [ النحل : 103 ] . أي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتردد على أحد أصحاب العلم ليعلمه القرآن فقالوا : إنه غلام لبني عامر بن لؤي اسمه يعيش ، وكان يعرف القراءة والكتاب ، وكان يجلب الكتب من الأسواق ، ويقرأ قصص السابقين مثل عنترة وذات الهمة وغيرها من كتب التاريخ . وقد تضاربتْ أقوالهم في تحديد هذا الشخص الذي يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلّم على يديه ، فقالوا : اسمه " عداس " وقال آخرون : سلمان الفارسي . وقال آخرون : بَلْعام وكان حداداً رومياً نصرانياً يعلم كثيراً عن أهل الكتاب … الخ . والحق تبارك وتعالى يردُّ على هؤلاء ، ويُظهِر إفلاسهم الفكري ، وإصرارهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . اللسان هنا : اللغة التي يُتحدَّث بها . ويُلحِدون إليه : يميلون إليه وينسبون إليه أنه يُعلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم . أعجمي : أي لغته خفية ، لا يُفصح ولا يُبين الكلام ، كما نرى الأجانب يتحدثون العربية مثلاً . ونلاحظ هنا أن القرآن الكريم لم يقُلْ عجمي ، لأن العجم جنس يقابل العرب ، وقد يكون من العجم مَنْ يجيد العربية الفصيحة ، كما رأينا سيبوَيْه صاحب الكتاب أعظم مراجع النحو حتى الآن وهو عَجمي . أما الأعجمي فهو الذي لا يُفصح ولا يُبين ، حتى وإنْ كان عربياً . وقد كان في قبيلة لؤي رجل اسمه زياد يُقال له " زياد الأعجمي " لأنه لا يُفصح ولا يُبين ، مع أنه من أصل عربي . إذن : كيف يتأتَّى لهؤلاء الأعاجم الذين لا يُفصحون ، ولا يكادون ينطقون اللغة العربية ، كيف لهؤلاء أنْ يُعلِّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء بمعجزة في الفصاحة والبلاغة والبيان ؟ كيف يتعلم من هؤلاء ، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم التقى بأحد منهم إلا عداس يُقال : إنه قابله مرة واحدة ، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم تردَّد إلى معلم ، لا من هؤلاء ، ولا من غيرهم ؟ كما أن ما يحويه القرآن الكريم من آيات وأحكام ومعجزات ومعلومات يحتاج في تعلُّمه إلى وقت طويل يتتلمذ فيه محمد على يد هؤلاء ، وما جرّبْتم على محمد شيئاً من هذا كله . وهل يُعقل أن ما في القرآن يمكن أن يطويه صَدْرُ واحدٍ من هؤلاء ؟ ! لو حدث لكان له من المكانة والمنزلة بين قومه ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من منزلة ، ولأشاروا إليه بالبنان ولذَاع صِيتُه ، واشتُهر أمره ، وشيء من ذلك لم يحدث . وقوله تعالى : { وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . أي : لغته صلى الله عليه وسلم ، ولغة القرآن الكريم عربية واضحة مُبِينة ، لا لَبْسَ فيها ولا غموض . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ … } .