Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 121-121)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ } [ النحل : 121 ] . فيه تلميح لأهل مكة الذين جحدوا نعمة الله وكفروها ، وكانت بلدهم آمنة مطمئنة ، فلا يليق بكم هذا الكفر والجحود ، وأنتم تدَّعُون أنكم على مِلّة إبراهيم - عليه السلام - فإبراهيم لم يكن كذلك ، بل كان شاكراً لله على نعمه . وقوله : { ٱجْتَبَاهُ } [ النحل : 121 ] . اصطفاه واختاره للنبوة ، واجتباء إبراهيم - عليه السلام - كان عن اختبار ، كما قال تعالى : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] . أي : اختبره ببعض التكاليف ، فأتمها إبراهيم على أكمل وجه ، فقال له ربه : { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] . ولكنه لحبه أن تتصل الإمامة في ذريته قال : { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } [ البقرة : 124 ] . فعدَّل الله له هذه الرغبة ، وصحَّح له ، بأن ذريتك ستكون منها الظالم ، فقال : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 124 ] . لذلك تعلَّم إبراهيم - عليه السلام - من هذا الموقف ، وأراد أن يحتاط لنفسه بعد ذلك ، فعندما أراد أن يطلب من ربه أن يرزق أهل مكة من الثمرات قال : { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } [ البقرة : 126 ] . فصحَّح الله له أيضاً هذا المطلب ، فالموقف هنا مختلف عن الأول ، الأول كان في إمامة القيم والدين ، وهذه لا يقوم بها ظالم ، أما هذه فرزق وعطاء ربوبية يشمل المؤمن والكافر والطائع والعاصي ، فالجميع في الرزق سواء ، فقال تعالى : { وَمَن كَفَرَ … } [ البقرة : 126 ] . أي : سأرزق الكافر أيضاً . وهنا تتجلى عظمة الربوبية التي تُربِّي الأنبياء ، وتصنعهم على عَيْنها ، فكل مواقف الأنبياء تتجمع في النهاية ، وتعطينا خلاصة الكمال البشري . ويدل على دقة إبراهيم - عليه السلام - في أداء ما طُلِب منه موقفه في بناء البيت ، فبعد أن دَلَّه الله على مكانه أخذ يُزيح عنه آثار السيول ، ويكشف عن قواعده ، وكان يكفي إبراهيم لتنفيذ أمر ربه أنْ يرفع البناء إلى ما تناله يده من ارتفاع ، ولكنه أحب أن يأتي بالأمر على أتمِّ وجوهه ، وينفذه بدقة واحتياط ، ففكَّر أن يأتي بحجر مرتفع ، ويقف عليه ليزيد من ارتفاع البناء ، فجاء بالحجر الذي هو مقام إبراهيم ، كل ذلك وولده يساعده لذلك لما أتى بالحجر جاء بحجر لا يرفعه إلا رجلان . وكذلك موقفه الإيماني وتخلِّيه عن الأسباب ، حينما ترك زوجه هاجر وصغيره إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع ، وفي مكان خالٍ من مُقوِّمات الحياة وأسباب العيش . إنه لا يؤمن بالأسباب ، إنما يؤمن بمُسبِّبها ، وطالما أنه سبحانه موجود فسوف يُوفِّر لهم من الأسباب ما يحفظ حياتهم لذلك حينما سألته هاجر : أهذا منزل أنزلكه الله أم من عندك ؟ فلما علمت أنه من الله قالت : إذن لن يُضيِّعنا . وكأن إيمان إبراهيم نضح على زوجته ، وملأ قلبها يقيناً في الله تعالى . وقوله سبحانه : { وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 121 ] . كيف … بعد كل هذه الأوصاف الإيمانية تقول الآيات وَهَدَاهُ أليست هذه كلها هداية ؟ نقول : المراد زاده هداية ، كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا … } .