Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونعلم أن الليل والنهار آيتان واضحتان والليل يناسبه القمر ، والنهار تناسبه الشمس ، وهم جميعاً متعلقون بفعل واحد ، وهم نَسَق واحد ، والتسخير يعني قَهْر مخلوق لمخلوق لِيُؤدِّي كُلٌّ مهمته . وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ له مهمة ، فالليل مُهِمته الراحة . قال الحق سبحانه : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ القصص : 73 ] . والنهار له مهمة أنْ تكدحَ في الأرض لتبتغي رِزْقاً من الله وفَضْلاً ، والشمس جعلها مصدراً للطاقة والدِّفْء ، وهي تعطيك دون أنْ تسألَ ، ولا تستطيع هي أيضاً أن تمتنعَ عن عطاء قَدَّره الله . وهي ليست مِلْكاً لأحد غير الله بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرةً عليه ، حتى لا يتحكَّم أحدٌ في أحدٍ ، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى . وإياك أنْ تتوهَم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى ، بل هي مهام متكاملة . والحق سبحانه هو القائل : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 1 - 4 ] . أي : أن الليل والنهار وإنْ تقابلا فليسَا متعارضين كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل . ويضرب الحق سبحانه المثل لِيُوضّح لنا هذا التكامل فيقول : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 72 ] . وأيُّ إنسان إنْ سهر يومين متتابعين لا يستطيع أنْ يقاومَ النوم وإن أدَّى مهمة في هذين اليومين فقد يحتاج لراحة من بعد ذلك تمتدُّ أسبوعاً ولذلك قال الله : { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [ النبأ : 10 - 11 ] . والإنسان إذا ما صلَّى العشاء وذهب إلى فراشه سيستيقظ حَتْماً من قبل الفجر وهو في قِمّة النشاط بعد أنْ قضى ليلاً مريحاً في سُبَاتٍ عميق لا قلقَ فيه . ولكن الإنسان في بلادنا استورد من الغرب حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهراً ، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية ، فيقوم في الصباح مُنْهكاً ، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدَّمتْ تلك المخترعات نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح ، وفي وقتها المناسب لذلك نجدهم ينامون مُبكِّرين ، ليستيقظوا في الفجر بهمَّة ونشاط . ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول : { وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ … } [ النحل : 12 ] . نلحظ أنه لم يَأْتِ بالنجوم معطوفةً على ما قبلها ، بل خَصَّها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقلُّ الأجرام ، وقد لا نتبيّنها لكثرتها وتعدُّد مواقعها ولكِنَّا نجد الحق يُقسِم بها فهو القائل : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] . فكلُّ نجم من تلك النجوم البعيدة له مُهمة ، وإذا كنتَ أنت في حياتك اليومية حين ينطفىء النور تذهب لترى : ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلى منزلك ، وكيف تقدَّم العلم ليصنعَ لك المصباح الكهربائي . وكيف مدَّتْ الدولة الكهرباء من مواقع توليدها إلى بيتك . وإذا كنتَ تجهل ما خَلْف الأثر الواحد الذي يصلك في منزلك ، فما بالك بقول الحق سبحانه : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] . وهو القائل : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] . وقد خصَّها الحق سبحانه هنا بجملة جديدة مستقلة أعاد فيها خبر التسخير ، ذلك أن لكلٍّ منها منازلَ ، وهي كثيرة على العَدِّ والإحصاء ، وبعضها بعيد لا يصلنا ضوؤه إلا بعد ملايين السنين . وقد خصَّها الحق سبحانه بهذا الخبر من التسخير حتى نتبينَ أن لله سراً في كل ما خلق بين السماء والأرض . ويريد لنا أن نلتفتَ إلى أن تركيبات الأشياء التي تنفعنا مواجهةً وراءها أشياء أخرى تخدمها . ونجد الحق سبحانه وهو يُذيِّل الآية الكريمة بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ النحل : 12 ] . ونعلم أن الآيات هي الأمورُ العجيبة التي يجب ألاَّ يمرَّ عليها الإنسان مراً مُعرِضاً بل عليه أنْ يتأملَها ، ففي هذا التأمل فائدة له ويمكنه أنْ يستنبطَ منها المجاهيل التي تُنعِّم البشر وتُسعِدهم . وكلمة { يَعْقِلُونَ } تعني إعمالَ العقل ، ونعلم أن للعقل تركيبةً خاصة وهو يستنبط من المُحسّات الأمورَ المعنوية ، وبهذا يأخذ من المعلوم نتيجةً كانت مجهولةً بالنسبة له فيَسعد بها ويُسعد بها مَنْ حوله ، ثم يجعل من هذا المجهول مقدمةً يصل بها إلى نتيجة جديدة . وهكذا يستنبط الإنسان من أسرار الكون ما شاء له الله أنْ يستنبطَ ويكتشف من أسرار الكون . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي … } .