Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلمة { ذَرَأَ } تعني أنه خلق خَلْقاً يتكاثر بذاته إما بالحَمْل للأنثى من الذَّكَر في الإنسان أو الحيوان والنبات وإما بواسطة تفريخ البيض كما في الطيور . وهكذا نفهم الذَّرْءَ بمعنى أنه ليس مطلقَ خَلْق بل خلق بذاته في التكاثر بذاته ، والحق سبحانه قد خلق آدم أولاً ، ثم أخرج منه النسل ليتكاثر النسلُ بذاته حين يجتمع زوجان ونتجا مثيلاً لهما ، ولذلك قال الحق سبحانه : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . وهكذا شاء الحق سبحانه أن يفيض على عباده بأن يُعطِيهم صفة أنهم يخلقون ، ولكنهم لا يخلقون كخَلْقه فهو قد خلق آدم ثم أوجدهم من نسله . والبشر قد يخلقون بعضاً من مُعِدات وأدوات حياتهم ، لكنهم لا يخلقون كخَلْق الله فهم لا يخلقون من معدوم بل من موجود ، والحق سبحانه يخلق من المعدوم مَنْ لا وجودَ له وهو بذلك أحسَنُ الخالقين . والمَثل الذي أضربه دائماً هو الحبة التي تُنبِت سبْعَ سنابل وفي كل سُنْبلة مائة حَبّة وقد أوردها الحق سبحانه ليشوِّق للإنسان عملية الإنفاق في سبيل الله ، وهذا هو الخَلْق الماديّ الملموس فمن حَبَّة واحدة أنبت سبحانه كل ذلك . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ … } [ النحل : 13 ] . أي : ما خلق لنا من خَلْق متكاثر بذاته تختلف ألوانه . واختلاف الألوان وتعدُّدها دليل على طلاقة قدرة الله في أن الكائنات لا تخلق على نَمَطٍ واحد . ويعطينا الحق سبحانه الصورة على هذا الأمر في قوله سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [ فاطر : 27 - 28 ] . وأنت تمشي بين الجبال ، فتجدها من ألوان مختلفة وعلى الجبل الواحد تجد خطوطاً تفصل بين طبقاتٍ مُتعدّدة ، وهكذا تختلف الألوان بين الجمادات وبعضها ، وبين النباتات وبعضها البعض ، وبين البشر أيضاً . وإذا ما قال الحق سبحانه : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ … } [ فاطر : 28 ] . فلَنا أن نعرفَ أن العلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالم يقف على قضية كونية مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من المُكوِّن مباشرة . ولم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط ، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول ، ويُجلّي أسرار الله في خلقه . وقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يفرق فَرْقاً واضحاً في هذا الأمر ، كي لا يتدخَّل علماء الدين في البحث العلميّ التجريبيّ الذي يُفيد الناس ، ووجد صلى الله عليه وسلم الناس تُؤبّر النخيل بمعنى أنهم يأتون بطَلْع الذُّكورة ويُلقِّحون النخيل التي تتصف بالأنوثة ، وقال : لو لم تفعلوا لأثمرتْ . ولما لم تثمر النخيل ، قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر وأمر بإصلاحه وقال القولة الفصل " أنتم أعلَمُ بشئون دنياكم " . أي : أنتم أعلم بالأمور التجريبية المعملية ، ونلحظ أن الذي حجز الحضارة والتطوُّر عن أوربا لقرون طويلة هو محاولة رجال الدين أنْ يحجُروا على البحث العلمي ويتهموا كُلَّ عالم تجريبيّ بالكفر . ويتميز الإسلام بأنه الدين الذي لم يَحُلْ دون بَحْث أي آية من آيات الله في الكون ، ومن حنان الله أنْ يُوضِّح لخَلْقه أهمية البحث في أسرار الكون ، فهو القائل : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [ يوسف : 105 ] . أي : عليك أيُّها المؤمن ألاَّ تُعرِض عن أيِّ آية من آيات الله التي في الكون بل على المؤمن أنْ يُعمِلَ عقله وفِكْره بالتأمُّل ليستفيد منها في اعتقاده وحياته . يقول الحق : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ … } [ فصلت : 53 ] . أما الأمور التي يتعلَّق بها حساب الآخرة فهي من اختصاص العلماء الفقهاء . ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [ النحل : 13 ] . أي : يتذكَّرون شيئاً مجهولاً بشيء معلوم . وبعد ذلك يعود الحق سبحانه إلى التسخير ، فيقول : { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ … } .