Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وانظر إلى قوله سبحانه : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً … } [ النحل : 25 ] . لترى كيف يُوضّح الحق سبحانه أن النفس البشرية لها أحوال متعددة وإذا أسرفتْ على نفسها في تلك الجوانب فهي قد تُسرف في الجانب الأخلاقي والجانب الاجتماعي وغير ذلك ، فتأخذ وِزْر كُلّ ما تفعل . ويُوضِّح هنا الحق سبحانه أيضاً أن تلك النفس التي ترتكب الأوزار حين تُضِل نفساً غيرها فهي لا تتحمل من أوزار النفس التي أضلَّتها إلا ما نتجَ عن الإضلال فيقول : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } [ النحل : 25 ] . ذلك أن النفس التي تمَّ إضلالها قد ترتكب من الأوزار في مجالات أخرى ما لا يرتبط بعملية الإضلال . والحق سبحانه أعدل من أنْ يُحمّل حتى المُضِل أوزاراً لم يكُنْ هو السبب فيها ولذلك قال الحق سبحانه هنا : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } [ النحل : 25 ] . أي : أن المُضِلّ يحمل أوزار نفسه ، وكذلك يحمل بعضاً من أوزار الذين أضلّهم تلك الأوزار الناتجة عن الإضلال . وفي هذا مُطْلق العدالة من الحق سبحانه وتعالى ، فالذين تَمَّ إضلالهم يرتكبون نوعين من الأوزار والسيئات أوزار وسيئات نتيجة الإضلال وتلك يحملها معهم مَنْ أضلوهم . أما الأوزار والسيئات التي ارتكبوها بأنفسهم دون أنْ يدفعهم لذلك مَنْ أضلُّوهم فهم يتحمَّلون تَبِعاتها وحدهم ، وبذلك يحمل كُلُّ إنسان أحمال الذنوب التي ارتكبها . وقد حسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال : " والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رُغَاء ، أو بقرة لها خُوَار ، أو شاة تَيْعَر " . وقِسْ على ذلك من سرق في الطوب والأسمنت والحديد وخدع الناس . وحين يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } [ النحل : 25 ] . إنما يلفتنا إلى ضرورة ألاَّ تُلهينا الدنيا عن أهمِّ قضية تشغل بال الخليقة ، وهي البحث عن الخالق الذي أكرم الخَلْق ، وأعدَّ الكون لاستقبالهم . وكان يجب على هؤلاء الذين سمعوا من كفار قريش أن يبحثوا عن الرسول ، وأن يسمعوا منه فهم أُميون لم يسبق أنْ جاءهم رسول وقد قال فيهم الحق سبحانه : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ البقرة : 78 ] . فإذا ما جاءهم الرسول كان عليهم أنْ يبحثوا ، وأنْ يسمعوا منه لا نقلاً عن الكفار ولذلك سيعاقبهم الله لأنهم أهملوا قضية الدين ، ولكن العقوبةَ الشديدة ستكون لِمَنْ كان عندهم عِلْم بالكتاب . والحق سبحانه هو القائل : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } [ البقرة : 79 ] . ويَصِف الحق سبحانه مَنْ يحملون أوزارهم وبعضاً من أوزار مَنْ أضلوهم : { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [ النحل : 25 ] . أي : ساء ما يحملون من آثام فهم لَمْ يكتفوا بأوزارهم ، بل صَدُّوا عن سبيل الله ، ومنعُوا الغير أنْ يستمعَ إلى قضية الإيمان . ومن نتيجة ذلك أنْ يبيح مَنْ لم يسمع لنفسه بعضاً مِمَّا حرم الله فيتحمل مَنْ صدَّهم عن السبيل وِزْر هذا الإضلال . ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " شَرُّكم مَنْ باع دينه بِدُنْياه ، وشَرٌّ منه مَنْ باع دينه بِدُنْيا غيره " . فمَنْ باع الدين ليتمتع قليلاً يستحق العقاب أما مَنْ باع دينه ليتمتعَ غيرُه فهو الذي سيجد العقاب الأشدَّ من الله . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ … } .