Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 27-27)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهكذا يكون العذاب في الدنيا وفي الآخرة ، ويَلْقوْن الخِزْي يوم القيامة . والخِزْي هو الهوان والمَذلَّة ، وهو أقوى من الضرب والإيذاء ولا يتجلَّد أمامه أحدٌ فالخِزْي قشعريرة تَغْشَى البدن فلا يُفلت منها مَنْ تصيبه . وإنْ كان الإنسان قادراً على أنْ يكتمَ الإيلام فالخِزْي معنى نفسي ، والمعاني النفسية تنضح على البشرة ولا يقدر أحد أنْ يكتم أثرها لأنه يقتل خميرة الاستكبار التي عاش بها ذلك الذي بيَّت ومكرَ . ويُوضِّح الحق سبحانه هذا المعنى في قوله عن القرية التي كان يأتيها الرزق من عند الله ثم كفرت بأنعم الله فيقول : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] . أي : كأن الجسد كله قد سار مُمتلِكاً لحاسة التذوق ، وكأن الجوع قد أصبح لباساً يعاني منه صاحبه فيجوع بقفاه ، ويجوع بوجهه ، ويجوع بذراعه وجلده وخطواته ، وبكل ما فيه . وساعة يحدث هذا الخِزي فكُلُّ خلايا الاستكبار تنتهي ، خصوصاً أمام مَنْ كان يدَّعي عليهم الإنسان أن عظمته وتجبّره وغروره باقٍٍ ، وله ما يسنده . ويتابع سبحانه متحدياً : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ … } [ النحل : 27 ] . أي : أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم فجعلتم من أنفسكم شُقَّة ، وجعلتم من المؤمنين شُقَّة أخرى ، وكلمة { تُشَاقُّونَ } مأخوذة من " الشق " ويقال : " شَقَّ الجدار أو شَقَّ الخشب " والمقصود هنا أنْ جعلتم المؤمنين ، ومَنْ مع الرسول في شُقَّة تُعادونها ، وأخذتُم جانب الباطل ، وتركتُم جانب الحق . وهنا يقول مَنْ آتاهم الله العلم : { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ النحل : 27 ] . وكأن هذا الأمر سيصير مشهداً بمحضر الحق سبحانه بين مَنْ مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيحضره الذين أتاهم الله العلم . والعلم - كما نعلم - يأتي من الله مباشرة ثم يُنقَل إلى الملائكة ثم يُنقَل من الملائكة إلى الرُّسل ، ثم يُنقل من الرُّسُل إلى الأُمم التي كلَّفَ الحق سبحانه رسله أنْ يُبلِّغوهم منهجه . وكَما شهدتْ الدنيا سقوط المناهج التي اتبعوها من أهوائهم ، وسقوط مَنْ عبدوهم من دون الله سيشهد اليوم الآخر الخِزْي والسوء وهو يحيط بهم ، وقد يكون الخِزْي من هَوْل الموقف العظيم ، ويحمي الله مَنْ آمنوا به بالاطمئنان . ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال : " ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد " . وكما بلَّغَ رسولُ الله أمته واستجابتْ له فقد طلب منهم أيضاً أن يكونوا امتداداً لرسالته ، وأَنْ يُبلِّغوها للناس ، ذلك أن الحق سبحانه قد منع الرسالات من بعد رسالة محمد عليه الصلاة والسلام . وصار من مسئولية الأمة المحمدية أنْ تُبلِّغ كل مَنْ لم تبلغه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " نَضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ، وأدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها ، فَرُبَّ مُبلَّغ أَوْعَى مِن سامع " . والحق سبحانه هو القائل : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ … } [ النساء : 41 - 42 ] . أي : يتمنوْنَ أنْ يصيروا تُرَاباً ، كما قال تعالى في موقع آخر : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ … } .