Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 38-38)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ … } [ النحل : 38 ] . سبحان الله ! ! كيف تُقسِمون بالله وأنتم لا تؤمنون به ؟ ! وما مدلول كلمة الله عندكم ؟ … هذه علامة غباء عند الكفار ودليل على أن موضوع الإيمان غير واضح في عقولهم لأن كلمة الله نفسها دليلٌ على الإيمان به سبحانه ، ولا توجد الكلمة في اللغة إلا بعد وجود ما تدل عليه أولاً … فالتلفزيون مثلاً قبل أن يوجد لم يكن له اسم ، ثم بعد أن وُجد أوجدوا له اسماً . إذن : توجد المعاني أولاً ، ثم توضع للمعاني أسماء ، فإذا رأيت اسماً يكون معناه قبله أم بعده ؟ يكون قبله … فإذا قالوا : الله غير موجود نقول لهم : كذبتم لأن كلمة الله لفظ موجود في اللغة ، ولا بُدَّ أن لها معنىً سبق وجودها . إذن : فالإيمان سابقٌ للكفر … وجاء الكفر منطقياً لأن معنى الكفر : السَّتْر … والسؤال إذن : ماذا ستر ؟ ستر الإيمان ، ولا يستر إلا موجوداً ، وبذلك نقول : إن الكفر دليل على الإيمان . { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ … } [ النحل : 38 ] . أي : مبالغين في اليمين مُؤكّدينه ، وما أقربَ غباءَهم هنا بما قالوه في آية أخرى : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] . فليس هذا بكلام العقلاء . وكان ما أقسموا عليه بالله أنه : { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ … } [ النحل : 38 ] . وهذا إنكار للبعث ، كما سبق وأنْ قالوا : { قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ المؤمنون : 82 ] . فيرد عليهم الحق سبحانه { بَلَىٰ } . وهي أداة لنفي النفي السابق عليها ، وأهل اللغة يقولون : نفي النفي إثبات ، إذاً " بلى " تنفي النفي قبلها وهو قولهم : { لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ … } [ النحل : 38 ] . فيكون المعنى : بل يبعث الله مَنْ يموت . { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً … } [ النحل : 38 ] . والوَعْد هو الإخبار بشيء لم يأْتِ زمنه بعد ، فإذا جاء وَعْدٌ بحدَث يأتي بَعْد ننظر فيمَنْ وعد : أقادرٌ على إيجاد ما وعد به ؟ أم غير قادر ؟ فإن كان غيرَ قادر على إنفاذ ما وعد به لأنه لا يضمن جميع الأسباب التي تعينه على إنفاذ وعده ، قُلْنا له قُلْ : إنْ شاء الله … حتى إذا جاء موعد التنفيذ فلم تَفِ بوعدك التمسْنا لك عُذْراً ، وحتى لا تُوصف ساعتها بالكذب ، فقد نسبتَ الأمر إلى مشيئة الله . والحق - تبارك وتعالى - لا يمنعنا أن نُخطِّط للمستقبل ونعمل كذا ونبني كذا … خَطِّط كما تحب ، واعْدُدْ للمستقبل عِدَته ، لكن أردف هذا بقولك : إنْ شاء الله لأنك لا تملك جميع الأسباب التي تمكِّن من عمل ما تريد مستقبلاً ، وقد قال الحق تبارك وتعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] . ونضرب لذلك مثلاً : هَبْ أنك أردتَ أن تذهب غداً إلى فلان لتكلمه في أمر ما … هل ضمنت لنفسك أن تعيش لغد ؟ وهل ضمنت أن هذا الشخص سيكون موجوداً غداً ؟ وهل ضمنتَ ألاَّ يتغير الداعي الذي تريده ؟ وربما توفرت لك هذه الظروف كلها ، وعند الذهاب أَلَمَّ بك عائق منعك من الذهاب . إذن : يجب أن نُردف العمل في المستقبل بقولنا : إن شاء الله . أما إذا كان الوعد من الله تعالى فهو قادر سبحانه على إنفاذ ما يَعِد به لأنه لا قوة تستطيع أن تقفَ أمام مُراده ، ولا شيءَ يُعجزه في الأرض ولا في السماء ، كان الوعد منه سبحانه حقاً أنْ يُوفّيه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 38 ] . أي : لا يعلمون أن الله قادر على البعث ، كما قال تعالى : { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . وقال : { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [ الإسراء : 49 ] . فقد استبعد الكفار أمر البعث لأنهم لا يتصورون كيف يبعث الله الخلْق من لَدُن آدم - عليه السلام - حتى تقوم الساعة … ولكن لِمَ تستبعدون ذلك ؟ وقد قال تعالى : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] . فالأمر ليس مزاولة يجمع الله سبحانه بها جزئيات البشر كل على حدة … لا … ليس في الأمر مزاولة أو معالجة تستغرق وقتاً . { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] . ونضرب لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى - فنحن نرى مثل هذه الأوامر في عالم البشر عندما يأتي المعلّم أو المدرب الذي يُدرِّب الجنود نراه يعلِّم ويُدرِّب أولاً ، ثم إذا ما أراد تطبيق هذه الأوامر فإنه يقف أمام الجنود جميعاً وبكلمة واحدة يقولها يمتثل الجميع ، ويقفون على الهيئة المطلوبة ، هل أمسك المدرب بكل جندي وأوقفه كما يريد ؟ ! لا … بل بكلمة واحدة تَمَّ له ما يريد . وكأن انضباط المأمور وطاعته للأمر هو الأصل ، كذلك كل الجزئيات في الكون منضبطة لأمره سبحانه وتعالى … هي كلمة واحدة بها يتم كل شيء … فليس في الأمر مُعَالجة ، لأن المعالجة أنْ يُباشر الفاعل بجزئيات قدرته جزئيات الكائن ، وليس البعث هكذا … بل بالأمر الانضباطي : كن . ولذلك يقول تعالى : { وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 38 ] . نقول : الحمد لله أن هناك قليلاً من الناس يعلمون أمر البعث ويؤمنون به . ثم يقول الحق سبحانه : { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي … } .