Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : مُسْتعظمين كقارون الذي قال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] . أخذتُ هذا بَجْهدي وعملي … ومثله مَنْ تقول له : الحمد لله الذي وفَّقك في الامتحان ، فيقول : أنا كنت مُجِداً … ذاكرتُ وسهرتُ … نعم أنت ذاكرتَ ، وأيضاً غيرك ذاكر وجَدَّ واجتهد ، ولكن أصابه مرض ليلة الامتحان فأقعده ، وربما كنت مثله . فهذه نغمة مَنْ أَنكر الفضل ، وتكبَّر على صاحب النعمة سبحانه . وقوله : { لِيَكْفُرُواْ … } [ النحل : 55 ] . هل فعلوا ذلك ليكفروا ، فتكون اللام للتعليل ؟ لا بل قالوا : اللام هنا لام العاقبة … ومعناها أنك قد تفعل شيئاً لا لشيء ، ولكن الشيء يحدث هكذا ، وليس في بالك أنت … إنما حصل هكذا . ومثال هذه اللام في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً … } [ القصص : 8 ] . ففرعون حينما أخذ موسى من البحر وتبنَّاه وربَّاه ، هل كان يتبنَّاه ليكون له عدواً ؟ لا … إنما هكذا كانت النهاية ، لكي يثبت الحق سبحانه أنهم كانوا مُغفَّلين ، وأن الله حالَ بين قلوبهم وبين ما يريدون … إذن : المسألة ليستْ مرادة … فقد أخذْته وربَّيته في الوقت الذي تقتل فيه الأطفال … ألم يخطر ببالك أن أحداً خاف عليه ، فألقاه في البحر ؟ ! لذا يقول تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ … } [ الأنفال : 24 ] . وكذلك أم موسى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ … } [ القصص : 7 ] . كيف يقبل هذا الكلام ؟ وأنَّى للأم أن ترمي ولدها في البحر إنْ خافت عليه ؟ ! كيف يتأتَّى ذلك ؟ ! ولكن حالَ الله بين أم موسى وبين قلبها ، فذهب الخوف عليه ، وذهب الحنان ، وذهبت الرأفة ، ولم تكذّب الأمر الموجّه إليها ، واعتقدت أن نجاة وليدها في هذا فألقتْه . وقوله : { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 55 ] . أي : اكفروا بما آتيناكم من النعم ، وبما كشفنا عنكم من الضر ، وتمتعوا في الدنيا لأنني لم اجعل الدنيا دار جزاء ، إنما الجزاء في الآخرة . وكلمة { تَمَتَّعُواْ } هنا تدل على أن الله تعالى قد يُوالي نِعمه حتى على مَنْ يكفر بنعمته ، وإلاَّ فلو حَجَب عنهم نِعَمه فلن يكون هناك تمتُّع . ويقول تعالى : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 55 ] . أي : سوف تروْنَ نتيجة أعمالكم ، ففيها تهديد ووعيد . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ … } .