Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فمن الناس مَنْ إذا أصابه الله بضُرٍّ أو نزل به بأْسٌ تضرّع وصرخ ولجأ إلى الله ودعاه ، وربما سالتْ دموعه ، وأخذ يُصلّي ويقول : يا فلان ادْعُ لي الله وكذا وكذا … فإذا ما كشف الله عنه ضُرَّه عاود الكَرّة من جديد لذلك قال تعالى في آية أخرى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ … } [ يونس : 12 ] . ومن لُطْف الأداء القرآني هنا أن يقول : { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [ النحل : 54 ] . أي : جماعة منكم وليس كلكم ، أما الباقي فيمكن أنْ يثبتُوا على الحق ، ويعتبروا بما نزل بهم فلا يعودون … فالناس - إذن - مختلفون في هذه القضية : فواحد يتضرّع ويلتفت إلى الله من ضُرٍّ واحد أصابه ، وآخر يلتفت إلى الله من ضُرّيْن ، وهكذا . وقد وجدنا في الأحداث التي مرَّتْ ببلادنا على أكابر القوم أحداثاً عظاماً تلفتهم إلى الله ، فرأينا مَنْ لا يعرف طريق المسجد يُصلّي ، ومَنْ لا يفكر في حج بيت الله ، يسرع إليه ويطوف به ويبكى هناك عند الملتزم ، وما ألجأهم إلى الله ولفتهم إليه سبحانه إلا ما مرَّت بهم من أحداث . أليست هذه الأحداث ، وهذه الأزمات والمصائب خيراً في حقهم ؟ … بلى إنها خير . وأيضاً قد يُصاب الإنسان بمرض يُلِمّ به ، وربما يطول عليه ، فيذهب إلى الأطباء ، ويدعو الله ويلجأ إليه ، ويطلب من الناس الدعاء له بالشفاء ، ويعمل كذا وكذا … فإذا ما كشف الله عنه المرض وأَذِن له بالشفاء قال : أنا اخترتُ الطبيب الحاذق ، الطبيب النافع ، وعملتُ وعملتُ … سبحان الله ! لماذا لا تترك الأمر لله ، وتُعفِي نفسك من هذه العملية ؟ وفي قوله تعالى : { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [ النحل : 54 ] . صمام أَمْن اجتماعي في الكون ، يقول للناس : إياكم أن تأخذوا على غيركم حين تُقدمون إليهم جميلاً فيُنكرونه … إياكم أنْ تكُّفوا عن عمل الجميل على غيركم لأن هذا الإنكار للجميل قد فعلوه مع أعلى منكم ، فعلوه مع الله سبحانه ، فلا يُزهدك إنكارهم للجميل في فِعْله ، بل تمسَّك به لتكون من أهله . والحق تبارك وتعالى يضرب لنا مثلاً لإنكار الجميل في قصة سيدنا موسى عليه السلام : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } [ الأحزاب : 69 ] . فقد اتهمه قومه وقعدوا يقولون فيه كذباً وبُهْتاناً ، فقال موسى : يا ربّ أسألك ألاَّ يُقَال فيَّ ما ليس فيَّ … فقال تعالى لموسى : أنا لم افعل ذلك لنفسي ، فكيف أفعلها لك ؟ ولماذا لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه ؟ … لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه ليعطينا نحن أُسْوة في تحمُّل هذا الإنكار ، فقد خلق الله الخَلْق ورزقهم ووَسِعهم ، ومع ذلك كفروا به ، ومع ذلك ما يزال الحق سبحانه خالقاً رازقاً واسعاً لهم . إذن : في الآية تقنين وأمان للمجتمع أن يتفشى فيه مرض الزُّهْد في عمل الخير . وقَوْل الحق سبحانه : { بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } [ النحل : 54 ] . تشمل الآية مَنْ أنكر الجميل من المؤمنين ، ومن الكافرين . ولكن لماذا يشركون ؟ يقول الحق تبارك وتعالى : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ … } .