Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 61-61)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قول الحق تبارك وتعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ … } [ النحل : 61 ] . عندنا هنا : الأخْذ والمؤاخذة … الأخْذ : هو تحصيل الشيء واحتواؤه ، ويدل هذا على أن الآخذ له قدرةٌ على المستمسك بنفسه أو بغيره ، فمثلاً تستطيع حَمْل حصاة ، لكن لا تستطيع حمل حجر كبير ، وقد يكون شيئاً بسيطاً إلا أنه مربوط بغيره ومستمسك به فيُؤخَذ منه قوة . فمعنى الأخذ : أن تحتوي الشيء ، واحتواؤك له معناه أنك أقوى من تماسكه في ذاته ، أو استمساك غيره به ، وقد يكون الأَخْذ بلا ذنب . أما المؤاخذة فتعني : هو أخذَ منك فأنت تأخذُ منه … ومنه قَوْل أحدنا لأخيه " لا مؤاخذة " في موقف من المواقف … والمعنى : أنني فعلتُ شيئاً أستحق عليه الجزاء والمؤاخذة ، فأقول : لا تؤاخذني … لم أقصد . لذلك فالحق تبارك وتعالى يقول هنا : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ … } [ النحل : 61 ] . ولم يَقُلْ : يأخذ الناس . وفي آية أخرى قال تعالى : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . لماذا أخذها الله ؟ أخذها لأنها أخذتْ منه حقوقه في أن يكون إلهاً واحداً فأنكرتها ، وحقوقه في تشريع الصالح فأنكرنها . ويُبيِّن الحق سبحانه أن هذه المؤاخذة لو حدثت ستكون بسبب من الناس أنفسهم ، فيقول سبحانه : { بِظُلْمِهِمْ … } [ النحل : 61 ] . أول الظلم أنهم أنكروا الوحدانية ، يقول تعالى : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . فكأنهم أخذوا من الله تعالى حقّه في الوحدانية ، وأخذوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقالوا كذاب ، وأخذوا من الكتاب فقالوا " سحر مبين " . كل هذا ظلم … فالحق تبارك وتعالى لو آخذهم بما أخذوا ، أخذوا شيئاً فأخذ الله شيئاً ، لو عاملهم هذه المعاملة ما ترك على ظهرها من دابة . لذلك نجد في آيات الدعاء : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا … } [ البقرة : 286 ] . أي : أننا أخذنا منك يا ربّ الكثير بما حدث مِنّا من إسراف وتقصير وعمل على غير مقتضى أمرك ، فلا تؤاخذنا بما بدر منا . فلو آخذ الله الناس بما اقترفوا من ظلم … { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ … } [ النحل : 61 ] . قد يقول قائل : الله عز وجل سَيُؤاخذ الناس بظلمهم ، فما ذنب الدابة ؟ ماذا فعلت ؟ نقول : لأن الدابة خُلِقَتْ من أجلهم ، وسُخِّرتْ لهم ، وهي من نعم الله عليهم ، فليست المسألة إذن نكايةً في الدابة ، بل فيمَنْ ينتفع بها ، وقد يُراد العموم لكل الخلق . فإذا لم يؤاخذ الله الناس بظلمهم في الدنيا فهل يتركهم هكذا ؟ لا بل : { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ … } [ النحل : 61 ] . هذا الأجل انقضاء دُنيا ، وقيام آخرة ، حتى لو لم يؤمنوا بالآخرة ، فإن الله تعالى يُمهلهم في الدنيا ، كما قال تعالى في آية أخرى : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ … } [ الطور : 47 ] . وقد يكون في هذا الأجل المسمى خير للحق ، فكثير من الصحابة كانوا يدخلون المعارك ، ويُحبون أنْ يقتلوا أهل الكفر فلاناً وفلاناً ، ثم لا يتمكنون من ذلك ولا يصيبونهم ، فيحزنون لذلك . ولكن أَجَل هؤلاء لم يَأْتِ بَعْد ، وفي علم الله تعالى أن هؤلاء الكفار سيؤمنون ، وأن إيمانهم سينفع المسلمين ، وكأن القدر يدّخرهم : إما أنْ يؤمنوا ، وإما أن تؤمنَ ذرياتهم . وقد آمن عمرو بن العاص ، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم . ومن هؤلاء الذين نَجَوْا كان خالد بن الوليد سيف الله المسلول . { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل : 61 ] . أي : إذا جاءت النهاية فلا تُؤخَّر ، وهذا شيء معقول ، ولكن كيف : ولا يستقدمون ؟ إذا جاء الأجل كيف لا يستقدِمون ؟ المسألة - إذن - ممتنعة مستحيلة … كيف إذا جاء الأجل يكون قد أتى قبل ذلك ؟ … هذا لا يستقيم ، لكن يستقيم المعنى تماماً على أن : { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل : 61 ] . ليست من جواب إذا ، بل تم الجواب عند ساعة ، فيكون المعنى : إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ، وإذا لم يجيء لا يستقدمون . والله أعلم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ … } .