Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مَثَلُ ٱلسَّوْءِ … } [ النحل : 60 ] . صفة السوء أي : الصفات السيئة الخسيسة من الكفر والجحود والنكْران ، ومن عَمى البصيرة ، وغيرها من صفات السوء . لماذا كان للذين لا يؤمنون بالآخرة مثَلُ السوء ؟ لأن المعادلة التي أَجْرَوْها معادلة خاطئة لأن الذي لا يؤمن بالآخرة قصّر عمره … فعُمْر الدنيا بالنسبة له قصير ، وقد قلنا : إياك أن تقيسَ الدنيا بعمرها … ولكن قِسْ الدنيا بعمرك أنت ، فعمر الدنيا مدة بقائِكَ أنت فيها … إنما هي باقية من بعدك لغيرك ، وليس لك أنت فيها نصيب بعد انقضاء عمرك . إذن : عمر الدنيا عمرك أنت فيها … عمرك : شهر ، سنة ، عشر سنوات ، مائة … هذا هو عمر الدنيا الحقيقي بالنسبة لك أنت . ومع ذلك ، فعمر الدنيا مهما طال مُنْتَهٍ إلى زوال ، فَمنْ لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالآخرة قد اختار الخاسرة لأنه لا يضمن أن يعيش في الدنيا حتى متوسط الأعمار … وهَبْ أنك عِشْتَ في الدنيا إلى متوسط الأعمار ، بل إلى أرذل العمر … وهَبْ أنك استمتعتَ في دنياك بكل أنواع المعاصي ، ماذا ستكون النهاية ؟ أنْ تفوتَ هذا كله إلى الموت . قارن - إذن - حال هذا بمَنْ آمن بالله وآمن بالآخرة … نقول لمَنْ لا يؤمن بالآخرة : دنياك مظنونة ، يمكن أن تعيش فيها ، أو يعاجلك الموت … حتى مَنْ عاش إلى متوسط الأعمار ، فالنهاية إلى زوال . وما نِلْتَ من مُتَع في دنياك أخذتها على قَدْر إمكاناتك أنت . إذن : أنت أخذت صفقة محدودة غير مُتيقّنة ، وتركتَ صفقة غير محدودة ومُتيقّنة … أليستْ هذه الصفقة خاسرة ؟ أما مَنْ آمن بالآخرة فقد ربحتَ صفقته ، حيث اختار حياة ممتدة يجد المتعة فيها على قَدْر إمكانات المنعِم سبحانه وتعالى . إذن : { مَثَلُ ٱلسَّوْءِ … } [ النحل : 60 ] . أي : الصفة شديدة السوء ، ذلك لأنهم خاسرون لا محالة . وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ … } [ النحل : 60 ] . لله الصفة العليا ، وكأن الآية تقول لك : اترك صفة السوء ، وخُذ الصفة الأعلى التي تجد المتعة فيها على قَدْر إمكانات الحق سبحانه وتعالى . ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ النحل : 60 ] . العزيز أي : الذي لا يُغلَب على أمره ، فإذا قيل : قد يوجد مَنْ لا يُغلب على أمره … نعم لكنه سبحانه عزيز حكيم يستعمل القهر والغلبة بحكمة . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ … } .