Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالكتاب هو القرآن الكريم . وقَوْل الحق سبحانه : { لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ … } [ النحل : 64 ] . دليل على أن أتباع الرسل السابقين نشأ بينهم خلاف ، فأيُّ خلاف هذا طالما أنهم تابعون لنبي واحد ؟ ما سببه ؟ قالوا : سبب هذا الخلاف ما يُسمُّونه بالسلطة الزمنية … ولتوضيح معنى السلطة الزمنية نضرب مثلاً بواحد كان شيخاً لطريقة مثلاً ، فلما مات تنازع الخلافة أبناؤه من بعده … كُلٌ يريدها له ، وأخذ يجمع حوله مجموعة من أتباع أبيه … فلو كانت مسألة الخلافة هذه واضحة في أذهانهم ما حدث هذا الخلاف . وكذلك السلطة الزمنية حدثت في أتباع الرسل الذين أخذوا يكتبون الصكوك ، ويذكرون ما يحبون وما يرونه صواباً من وجهة نظرهم ، كل هؤلاء كان لهم نفوذ بما نُسميه السلطة الزمنية . فكيف - إذن - يتركون محمداً صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم هذه السلطة ، ويُضيع عليهم ما هم فيه من سيادة ، فقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لِيُبيّن لهم . أي : يردّهم إلى جَادّة الحق ، وإلى الطريق المستقيم . وقوله تعالى : { وَهُدًى وَرَحْمَةً … } [ النحل : 64 ] . الهدى : معناه بيان الطريق الواضح للغاية النافعة ، والطريق لا يكون واضحاً إلا إذا خَلا من الصِّعاب والعقبات ، وخلا أيضاً من المخاوف ، فهو طريق واضح مأمون سهل ، وأيضاً يكون قصيراً يُوصّلك إلى غايتك من أقصر الطرق . وضد الهدى : الضلال . وهو أنْ يُضلّك ، فإنْ أردتَ طريقاً وجَّهك إلى غيره ، ودَلّك على سواه ، أو دَلّك على طريق به مخاوف وعقبات . أما الرحمة ، فقد وصف الحق تبارك وتعالى القرآن بأنه رحمة فقال : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ … } [ الإسراء : 82 ] . فكيف يكون القرآن شفاءً ؟ وكيف يكون رحمة ؟ الشفاء : إذا أصابنا داء ربنا سبحانه وتعالى يقول : طيّبوا داءكم وداووا أمراضكم بكذا وكذا ، ورُدُّوا الحكم إلى الله … هذا شفاء . أما الرحمة : فهي أن يمنع أن يأتي الداء مرة أخرى ، فتكون وقاية تقتلع الداء من أصله فلا يعود . ومِثْل هذا يحدث في عالم الطب ، فقد تذهب إلى طبيب لِيُعالجك من داء معين … بثور في الجلد مثلاً ، فلا يهتم إلا بما يراه ظاهراً ، ويصف لك ما يداوي هذه البثور … ثم بعد ذلك تُعاودك مرة أخرى . أما الطبيب الحاذق الماهر فلا ينظر إلى الظاهر فقط ، بل يبحث عن سببه في الباطن ، ويحاول أن يقتلع أسباب المرض من جذورها ، فلا تُعاودك مرة أخرى . ولذلك ، لو نظرنا إلى قصة أيوب - عليه السلام - وما ابتلاه الله به نرى فيها مثالاً رائعاً لعلاج الظاهر والباطن معاً ، فقد ابتلاه ربُّه ببلاء ظهر أثره على جسمه واضحاً ، ولما أذن له سبحانه بالشفاء قال له : { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ ص : 42 ] . مُغْتَسَلٌ : أي . يغسل ويُزيل ما عندك من آثار هذا البلاء . وَشَرَابٌ : أي . شراب يشفيك من أسباب هذا البلاء فلا يعود . وكذلك الحال في علاج المجتمع ، فقد جاء القرآن الكريم وفي العَالَم فساد كبير ، وداءاتٌ متعددة ، لا بُدَّ لها من منهج لشفاء هذه الداءاتِ ، ثم نعطيها مناعاتٍ تمنع عودة هذه الداءات مرة أخرى . وقوله تعالى : { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 64 ] . أي : أن هذا القرآن فيه هدى ورحمة لمَنْ آمن بك وبرسالتك لأن الطبيب الذي ضربناه مثلاً هنا لا يعالج كل مريض ، بل يعالج مَنْ وثق به ، وذهب إليه وعرض عليه نفسه ففحصه الطبيب وعرف عِلّته . وهكذا القرآن الكريم يسمعه المؤمن به ، فيكون له هدىً ورحمة ، ويترك في نفسه إشراقاتٍ نورانية تتسامى به وترتفع إلى أعلى الدرجات ، في حين يسمعه آخر فلا يَعي منه شيئاً ، ويقول كما حكى القرآن الكريم : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً … } [ محمد : 16 ] . وقال : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ … } [ فصلت : 44 ] . { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى … } [ فصلت : 44 ] . إذن : فالقرآن واحد ، ولكن الاستقبال مختلف . ثم يقول الحق سبحانه : { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ … } .