Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 76-76)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا مَثَلٌ آخر لرجلين أحدهما أبكم ، والأبكم هو الذي لا يتكلم … ولا بُدّ أن يسبق البكم صَمَمٌ لأن الكلام وليد السَّمْع ، فإذا أخذنا طفلاً عربياً وربَّيناه في بيئة إنجليزية نجده يتكلم الإنجليزية ، والعكس صحيح ذلك لأن الكلام ليس جنساً أو دماً أو لحماً ، بل هو وليد البيئة ، وما تسمعه الأذن ينطق به اللسان … فإذا لم يسمع شيئاً فكيف يتكلم ؟ لذلك ، فربنا سبحانه تعالى يقول عن الكفار : { صُمٌّ بُكْمٌ … } [ البقرة : 18 ] . هذا الأبكم لا يقدر على شيء من العمل والنفع لك ، يقول تعالى : { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلاهُ … } [ النحل : 76 ] . أي : عَالَة على سيده ، لا ينفع حتى نفسه ، ومع ذلك قد يكون عنده حكمة يقضي بها شيئاً لسيده ، حتى هذه ليست عنده . { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ … } [ النحل : 76 ] . إذن : لا خيرَ فيه ، ولا منفعةَ ألبتة ، لا له ولا لغيره ، هذه صفات الرجل الأول . فماذا عن مقابله ؟ { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ … } [ النحل : 76 ] . وهذه أول صفات الرجل الآخر ، أنه يأمر بالعدل ، وصفة الأمر بالعدل تقتضي أنه سمح منهجاً ، ووعتْهُ أذنه ، وانطلق به لسانه آمراً بالعدل ، وهذه الصفة تقابل : الأبكم الذي لا يقدر على شيء . { وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النحل : 76 ] . أي : أنه يذهب إلى الهدف مباشرة ، ومن أقصر الطرق ، وهذه تقابل : أينما يوجهه لا يَأْتِ بخير . والسؤال هنا أيضاً : هل يستويان ؟ والإجابة التي يقول بها العقل : لا . وهذا مثَلٌ آخر للأصنام … فهي لا تسمع ، ولا تتكلم ، ولا تُفصح ، وهي لا تقدر على شيء لا لَها ولا لعابديها … بل هي عَالَة عليهم ، فهم الذين يأتون بها من حجارة الجبال ، وينحتونها وينصبونها ، ويُصلِحون كَسْرها ، وهكذا هم الذين يخدمونها ولا ينتفعون منها بشيء . فإذا كنتم لا تُسوُّون بين الرجل الأول والرجل الآخر الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، فكيف تسوون بين إله له صفة الكمال المطلق ، وأصنام لا تملك لكم نفعاً ولا ضراً ؟ ! أو نقول : إن هذا مثَلٌ للمؤمن والكافر ، بدليل أن الحق سبحانه في المثل السابق قال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً … } [ النحل : 75 ] . وفي مقابله قال : { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً … } [ النحل : 75 ] . ولم يقُلْ عبد أو رجل . إنما هنا قال : { رَّجُلَيْنِ … } [ النحل : 76 ] . فيمكن أن نفهم منه أنه مَثَلٌ للرجل الكافر الذي يمثله الأبكم ، وللرجل المؤمن الذي يمثله مَنْ يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم . والحق سبحانه يقول : { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } .