Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد موسى { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } أغلب العلماء قالوا : أي الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس ، التي قال تعالى عنها : { يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ … } [ المائدة : 21 ] فكان ردّهم على أمر موسى بدخول بيت المقدس : { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا … } [ المائدة : 22 ] . وقالوا : { إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] . لكن كلمة { ٱلأَرْضِ } هنا جاءت مجرّدة عن الوَصْف { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } دون أنْ يُقيِّدها بوصف ، كما نقول : أرض الحرم ، أرض المدينة ، وإذا أردتَ أنْ تُسكِنَ إنساناً وتُوطّنه تقول : اسكن أي : استقر وتوَطّن في القاهرة أو الإسكندرية مثلاً ، لكن اسكن الأرض ، كيف وأنا موجود في الأرض بالفعل ؟ ! لا بُدَّ أن تُخصِّص لي مكاناً أسكن فيه . نقول : جاء قوله تعالى { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } هكذا دون تقييد بمكان معين ، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض ، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه ، كما قال تعالى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً … } [ الأعراف : 168 ] . والواقع يُؤيد هذا ، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد ، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها ، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى ، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها . وقوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 104 ] . والمراد بوَعْد الآخرة : هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل ، حيث قال تعالى عن إفسادهم الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } [ الإسراء : 4 - 5 ] . فقد جاس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ديارهم في المدينة ، وفي بني قريظة وبني قَيْنُقاع ، وبني النضير ، وأجلاهم إلى أَذْرُعَات بالشام ، ثم انقطعت الصلة بين المسلمين واليهود فترة من الزمن . ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } [ الإسراء : 7 ] . وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن ، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم ، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض ؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون ، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا ، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر . وهذا هو المراد من قوله تعالى : { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 104 ] أي : مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد ، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين . ثم يقول الحق سبحانه : { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ … } .