Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق تبارك وتعالى يُصوّر لنا موقفاً من مواقف يوم القيامة ، حيث يقف العبد بين يديْ ربه عزَّ وجل ، فيدعوه إلى أن يقرأ كتابه بنفسه ، ليكون هو حجة على نفسه ، ويُقِر بما اقترف ، والإقرار سيد الأدلة . فهذا موقف لا مجالَ فيه للعناد أو المكابرة ، ولا مجالَ فيه للجدال أو الإنكار ، فإن حدث منه إنكار جعل الله عليه شاهداً من جوارحه ، فيُنطقها الحق سبحانه بقدرته : يقول تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . ويقول سبحانه : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] . وقد جعل الخالق سبحانه للإنسان سيطرةً على جوارحه في الدنيا ، وجعلها خاضعة لإرادته لا تعصيه في خير أو شر ، فبيده يضرب ويعتدي ، وبيده يُنفق ويقيل عثرة المحتاج ، وبرجْله يسعى إلى بيت الله أو يسعى إلى مجلس الخمر والفساد . وجوارحه في كل هذا مُسخَّرة طائعة لا تتأبى عليه ، حتى وإن كانت كارهة للفعل لأنها منقادة لمراداتك ، ففِعْلها لك ليس دليلاً على الرضى عنك لأنه قد يكون رضى انقياد . وقد ضربنا مثلاً لذلك بقائد السرية ، فأمره نافذ على جنوده ، حتى وإن كان خطئاً ، فإذا ما فقد هذا القائد السيطرة وأصبح الجنود أمام القائد الأعلى باحوا له بكل شيء . كذلك في الدنيا جعل الله للإنسان إرادة على جوارحه ، فلا تتخلف عنه أبداً ، لكنها قد تفعل وهي كارهة وهي لاعنةٌ له ، وهي مُبغِضة له ولِفعْله ، فإذا كان يوم القيامة وانحلَّت من إرادته ، وخرجتْ من سجن سيطرته ، شهدتْ عليه بما كان منه . { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] . أي : كفانا أن تكون أنت قارئاً وشاهداً على نفسك . ثم يقول الحق سبحانه : { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ … } .