Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لأنه سبحانه أعطاك في الدنيا ، وأمدّك بالأسباب ، وبمقوّمات حياتك ، أوجدك من عدم ، وأمدك من عُدْمٍ ، حتى وإنْ كنت كافراً ، ثم أعدَّ لك في الآخرة الدرجات العالية والنعيم المقيم الذي لا يَفْنى ولا يزول . وهذه هي الحيثيات التي ينبغي عليك بعدها أن تعرفه سبحانه ، وتتوجّه إليه ، وتلتحم به وتكون في معيته ، ولا تجعل معه سبحانه إلهاً آخر لأنك إنْ فعلتَ فلن تجد من هذا النعيم شيئاً ، لن تجد إلا المذمّة والخُذْلان في الدنيا والآخرة . وسوف تُفَاجأ في القيامة بربك الذي دعاك للإيمان به فكفرْتَ . { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ … } [ النور : 39 ] . ساعتها ستندم حين لا ينفعك الندم ، بعد أن ضاعت الفرصة من يديك . ويقول تعالى : { فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } [ الإسراء : 22 ] . والقعود ليس أمراً عادياً هنا ، بل هو أنكَى ما يصير إليه الإنسان لأن الإنسان لا يقعد إلا إذا أصبح غيرَ قادر على القيام ، ففيها ما يُشعر بإنهاك القوة ، وكأنه سقط إلى الأرض ، بعد أنْ أصبحتْ رِجلاه غير قادرتين على حَمْله ، ولم تَعْد به قوة للحركة . ونلاحظ في تعبير القرآن عن هذا الذي خارتْ قواه ، وانتهت تماماً ، أنه يختار له وَضْع القعود خاصة ، ولم يَقُلْ مثلاً : تنام ، لأن العذاب لا يكون مع النوم ، ففي النوم يفقد الإنسان الوعي فلا يشعر بالعذاب ، بل قال { فَتَقْعُدَ } هكذا شاخص يُقاسي العذاب لأن العذاب ليس للجوارح والمادة ، بل للنفس الواعية التي تُحِسّ وتألم . ولذلك يلجأ الأطباء إلى تخدير المريض قبل إجراء العمليات الجراحية لأن التخدير يُفقِده الوعي فلا يشعر بالألم . ومن ذلك قوله تعالى : { وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَاهِدِينَ عَلَى ٱلْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 95 ] . وقال : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً … } [ النور : 60 ] . فالقعود يدل على عدم القدرة ، وفي الوقت نفسه لا يرتاح بالنوم ، فهو في عذاب مستمر . وفي مجال الذم قال الشاعر : @ دَعِ المكَــارِمَ لاَ ترحَلِ لِبُغْيِتهَا وَاقْعُدْ فإنكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكَاسي @@ وقوله : { مَذْمُوماً … } [ الإسراء : 22 ] لأنه أتى بعمل يذمه الناس عليه . { مَّخْذُولاً … } [ الإسراء : 22 ] من الخذلان ، وهو عدم النُّصْرة ، فالأبعد في موقف لا ينصره فيه أحد ، ولا يدافع عنه أحد ، لذلك يقول تعالى لهؤلاء : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 25 - 26 ] . ثم ينتقل بنا الحق سبحانه إلى قضية يعطينا فيها نوعاً من الاستدلال ، فيقول سبحانه : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً … } .