Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَآتَيْنَآ } أي : أوحينا إليه معانيه ، كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ … } [ الشورى : 51 ] . فليس في هذا الأمر مباشرة . و الكتاب هو التوراة ، فلو اقترن بعيسى فهو الإنجيل ، وإنْ أُطلِق دون أن يقترنَ بأحد ينصرف إلى القرآن الكريم . والوَحْي قد يكون بمعاني الأشياء ، ثم يُعبّر عنها الرسول بألفاظه ، أو يعبر عنها رجاله وحواريوه بألفاظهم . ومثال ذلك : الحديث النبوي الشريف ، فالمعنى فيه من الحق سبحانه ، واللفظ من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان الأمر في التوراة والإنجيل . فإن قال قائل : ولماذا نزل القرآن بلفظه ومعناه ، في حين نزلت التوراة والإنجيل بالمعنى فقط ؟ نقول : لأن القرآن نزل كتاب منهج مثل التوراة والإنجيل ، ولكنه نزل أيضاً كتاب معجزة لا يستطيع أحد أنْ يأتيَ بمثله ، فلا دَخْلَ لأحد فيه ، ولا بُدَّ أنْ يظلَّ لفظه كما نزل من عند الله سبحانه وتعالى . فالرسول صلى الله عليه وسلم أُوحِيَ إليه لَفْظُ ومعنى القرآن الكريم ، وأُوحِي إليه معنى الحديث النبوي الشريف . والحق سبحانه يقول : { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ … } [ الإسراء : 2 ] . فهذا الكتاب لم ينزل لموسى وحده ، بل لِيُبلِّغه لبني إسرائيل ، وليرسمَ لهم طريق الهدى إلى الله سبحانه ، وقال تعالى في آية أخرى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ السجدة : 23 ] . والهُدَى : هو الطريق الموصّل للغاية من أقصر وجه ، وبأقلّ تكلفة ، وهو الطريق المستقيم ، ومعلوم عند أهل الهندسة أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين . ثم أوضح الحق سبحانه وتعالى خلاصة هذا الكتاب ، وخلاصة هذا الهُدى لبني إسرائيل في قوله تعالى : { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء : 2 ] . ففي هذه العبارة خلاصة الهُدى ، وتركيز المنهج وجِمَاعه . والوكيل : هو الذي يتولَّى أمرك ، وأنت لا تُولِّي أحداً أمرك إلا إذا كنتَ عاجزاً عن القيام به ، وكان مَنْ تُوكِّله أحكمَ منك وأقوى ، فإذا كنت ترى الأغيار تنتاب الناس من حولك وتستولي عليهم ، فالغني يصير فقيراً ، والقوي يصير ضعيفاً ، والصحيح يصير سقيماً . وكذلك ترى الموت يتناول الناس واحداً تِلْو الآخر ، فاعلم أن هؤلاء لا يصلحون لِتولِّي أمرك والقيام بشأنك ، فربما وَكَّلْتَ واحداً منهم ففاجأك خبر موته . إذن : إذا كنتَ لبيباً فوكِّل مَنْ لا تنتابه الأغيار ، ولا يدركه الموت ولذلك فالحق سبحانه حينما يُعلمنا أن نكون على وعي وإدراك لحقائق الأمور ، يقول : { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } [ الفرقان : 58 ] . وما دام الأمر كذلك ، فإياك أنْ تتخذَ من دون الله وكيلاً ، حتى لو كان هذا الوكيل هو الواسطة بينك وبين ربك كالأنبياء لأنهم لا يأتون بشيء من عند أنفسهم ، بل يناولونك ويُبلِّغونك عن الله سبحانه . ولذلك الحق سبحانه يقول : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ … } [ الإسراء : 86 ] . ولو شئنا ما أوحينا إليك أبداً ، فمن أين تأتي بالمنهج إذن ؟ وقد تحدث العلماء طويلاً في أن في قوله : { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء : 2 ] . فمنهم مَنْ قال : إنها ناهية . ومنهم من قال : نافية ، وأحسن ما يُقال فيها : إنها مُفسّرة لما قبلها من قوله تعالى : { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى … } [ الإسراء : 2 ] . ففسرت الكتاب والهدى ولخَّصتْه ، كما في قوله تعالى : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] . فقوله : { قَالَ يٰآدَمُ } تُفسّر لنا مضمون وسوسة الشيطان . ومثله قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ … } [ القصص : 7 ] . فأنْ هنا مُفسِّرة لما قبلها . وكأن المعنى : وأوحينا إليه ألاَّ تتخذوا من دوني وكيلاً . أو نقول : إن فيها معنى المصدرية ، وأنْ المصدرية قد تُجرّ بحرف جر كما نقول : عجبت أنْ تنجحَ ، أي : من أنْ تنجح ، ويكون معنى الآية هنا : وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل لأنْ لا تتخذوا من دوني وكيلاً . ثم يقول الحق سبحانه : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا … } .