Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَعْلَمُ } أفعل تفضيل تدلُّ على المبالغة في العلم ، وإنْ كان الحق سبحانه أعلم فما دونه يمكن أنْ يتصفَ بالعلم ، فنقول : عالم . ولكن الله أعلم لأن الله تعالى لا يمنع عباده أن تشرئب عقولهم وتطمح إلى معرفة شيء من أسرار الكون . والمعنى أن الحق سبحانه وتعالى لا يقتصر علمه عليك يا محمد وعلى أمتك ، وقد سُبِقت الآية بقوله تعالى : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ … } [ الإسراء : 54 ] ولكن علمه سبحانه يسَع السماوات والأرض عِلْماً مُطْلقاً لا يغيب عنه مثقال ذرة ، وبمقتضى هذا العلم يُقسِّم الله الأرزاق ويُوزِّع المواهب بين العباد ، كُلّ على حسب حاله ، وعلى قَدْر ما يُصلحه . فإنْ رأيتَ شخصاً ضيَّق الله عليه فاعلم أنه لا يستحق غير هذا ، ولا يُصلحه إلا ما قَسَمه الله له لأن الجميع عبيد لله مربوبون له ، ليس بين أحد منهم وبين الله عداوة ، وليس بين أحد منهم وبين الله نسب . فالجميع عنده سواء ، يعطي كُلاً على قَدْر استعداده عطاءَ ربوبية ، لا يحرم منه حتى الكافر الذي ضاق صدره بالإيمان ، وتمكّن النفاق من قلبه حتى عشق الكفر وأحب النفاق ، فالله تعالى لا يحرمه مِمّا أحبّ ويزيده منه . إذن : لعلمه سبحانه بمَنْ في السماوات والأرض يعطي عباده على قَدْر مَا يستحقّون في الأمور القَهْرية التي لا اختيارَ لهم فيها ، فهُمْ فيها سواء . أما الأمور الاختيارية فقد تركها الخالق سبحانه لاجتهاد العبد وأَخْذه بالأسباب ، فالأسباب موجودة ، والمادة موجودة ، والجوارح موجودة ، والعقل موجود ، والطاقة موجودة . إذن : على كل إنسان أن يستخدم هذه المعطيات ليرتقي بحياته على قَدْر استطاعته . ثم يقول تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ الإسراء : 55 ] . مَن الذي فضَّل ؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي يُفضّل بعض النبيين على بعض ، وليس لنا نحن أن نُفضّل إلا مَنْ فضَّله الله لأنه سبحانه هو الذي يملك أن يُجازي على حَسْب الفضل ، أما نحن فلا نملك أنْ نجازي على قَدْر الفضل . لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " . لأن الذي يُفضِّل هو الله تعالى ، وقد نُصّ على هذا التفضيل في قوله تعالى : { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ … } [ البقرة : 253 ] . فالتفضيل على حسب ما يعلمه الله تعالى من أن أُولى العزم من الرسل قد فَضَّلهم عن غيرهم لِمَا تحمّلوه من مشقة في دعوة أقوامهم ، ولما قاموا به من حمل منهج الله والانسياح به ، أو من طول مُدّتهم من قومهم … الخ فهو وحده يعلم أسباب التفضيل . ثم يقول تعالى : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } [ الإسراء : 55 ] . فلماذا ذكر داود بالذات مقترناً بالكتاب الذي أُنِزل عليه ؟ قالوا : لأن داود عليه السلام أُوتِي مع الكتاب المُلْك ، فكان نبياً ملِكاً ، فكأن الحق سبحانه يشير إلى أن تفضيل داود لا من حيث أنه ملِك ، بل من حيث هو نبي صاحب كتاب . وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم : " لقد خُيِّرْتُ بين أن أكون عبداً نبياً أو نبياً ملكاً ، فاخترت أن أكون عبداً نبياً " . ثم يقول الحق تبارك وتعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ … } .