Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 56-56)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : قل للذين يُعارضونك في الوحدانية إذا مسَّكم ضُرٌّ فلا تلجأوا إلى مَنْ تكفرون به ، بل الجأوا إلى مَنْ زعمتم أنهم شركاء وآمنتم بهم . فإنهم لن يستمعوا إليك لأن الإنسان بطبعه لا يخدع نفسه ، ولو علموا أن الذين يتخذونهم آلهة من دون الله ينفعونهم في شيء لما دَعَوْا ربهم الذين يكفرون به وتركوا الذين يؤمنون بهم ، لماذا ؟ لأن الإنسان لا يتمرد ولا يطغى إلا إذا كان مُسْتغنياً بكل ملكاته ، بمعنى أن تكون ملكاته كلها على هيئة الاستقامة والانسجام ، فإذا اختلتْ له ملكة من الملكات ضَعُفَ طغيانه ، وحاول أن يستكمل هذا النقص ، وحينئذ لن يخدع نفسه بأن يطلب الاستكمال مِمَّن لا يملكه ، بل يطلبه ممَّنْ يعتقد أنه يملكه . لذلك يقول تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ … } [ الإسراء : 67 ] . وقال : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ … } [ الزمر : 8 ] . لماذا ؟ لأن ما أصابه من ضُرٍّ أضعفه ، وكسر عنده غريزة الاستعلاء والاستكبار ، لقد كفر بالله من قبل حينما حمله التكاليف ، ولكن الآن وبعد أن نزل به الضُّر وأحاط به البلاء فلا بُدَّ أن يكون صريحاً مع نفسه لا يخدعها . وضربنا لهذه المسألة مثلاً بحلاق الصحة عند أهل الريف في الماضي وكان مسئولاً عن صِحَّة الناس ، ويقوم مقام الطبيب في هذا الوقت ، فإذا ما عُيِّن بالقرية طبيب هاجمه الحلاق وأفسد ما بينه وبين الناس ، وأشاع عنه عدم العلم وقِلَّة الخبرة ليخلوَ له وجه الناس ، ولا يشاركه أحد في رزقه ، ومرَّت الأيام وأصيب الحلاق بضُرٍّ ، حيث مرض ولد له ، فإذا به يحمله خُفْيةً بليْل ، ويتسلل به إلى الطبيب ، ولكن سرعان ما ينكشف أمره ويُفتضح بين الناس . إذن : الإنسان في ساعة الضر لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها ، فقل لهم : إذا مسكم الضر فاذهبوا إلى مَن ادعيتم أنهم آلهة وادعوهم ، فإنهم لن يستجيبوا ولن يدعوهم ، ولو دَعَوْهم فلن يكشفوا عنهم ضرهم : { فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ … } [ الإسراء : 56 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ تَحْوِيلاً } [ الإسراء : 56 ] أي : ولا يملكون تحويل حالكم من الضر إلى النفع أو النعمة أو الرحمة ، أو : لا يملكون تحويل هذا الضر إلى أعدائكم ، فهم - إذن - لا يملكون هذه ولا هذه . فالحق سبحانه يُلقِّن رسوله صلى الله عليه وسلم الحجة ، ليوضح لهم أنهم يغالطون أنفسهم ، ويعارضون مواجيدهم وفطرتهم ، فإن أصابهم الضر في ذواتهم لا يلجأون إلى آلهتهم لأنهم يعلمون أنها لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً ، ولن تسمعهم ، وإن سمعتهم - فرضاً - ما استجابوا لهم ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، بل يلجأون إلى الله الذي يملك وحده كَشْف الضُّر عنهم . ثم يقول الحق سبحانه : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ … } .