Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فهؤلاء الذين تعتبرونهم آلهة وتتخذونهم شركاء لله ، هؤلاء أيضاً عبيد لله ، يتقربون إليه ويتوسَّلون إليه ، فالمسيح الذي أشركتموه مع الله ، وكذلك الملائكة هم عباد لله : { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ … } [ النساء : 172 ] . هؤلاء لا يرفضون ولا يتأبَّوْن أن يكونوا عباداً لله ، ويريدون التقرُّب إليه سبحانه ، فكيف - إذن - تتوجهون إليهم بالعبادة وهم عباد ؟ وقوله تعالى : { يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ … } [ الإسراء : 57 ] أي : يطلبون الغاية والقربى إليه تعالى { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } أي : كلما تقر ّب واحد منهم إلى الله ابتغى اللهَ أكثرَ من غيره وأقبل عليه ، فإذا كان الأقرب إلى الله منهم يبتغي القُرْبى ، فما بال الأبعد ؟ وقوله تعالى : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } [ الإسراء : 57 ] . أي : يجب الحذر منه وتجنُّب أسبابه لأن العذاب إذا كان من الله فلا فِكاكَ منه ولا مهرب ، وأيضاً فالعذاب يتناسب مع قدرة المعذِّب ضعفاً وشدة ، فإذا نُسِب العذاب إلى الله فلا شكَّ أنه أليم شديد ، لا طاقة لأحد به ، كما قال تعالى : { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . والحق سبحانه قد أوضح لنا مسألة الوحدانية في آيات كثيرة ، ولم يطلب منا الاعتراف بها إلا بعد أنْ شهد بها لنفسه سبحانه ، وبعد أن شهد بها الملائكة وأولو العلم ، قال تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ … } [ آل عمران : 18 ] . فشهد الله سبحانه شهادة الذات للذات ، وشهدتْ الملائكة شهادة المشهد والمعاينة ، وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال ، فهذه شهادات ثلاث قبل أنْ يطلب مِنّا الشهادة . وبهذه الشهادة أقبل الحق سبحانه على مزاولة سلطانه وقدرته في الكون ، وما دام { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يقول للشيء : كُنْ فيكون ، قالها لأنه يعلم أنه لا إله إلا هو ، وبها يحكم على الأشياء ويُغيِّر من وضع إلى وضع ، فإنْ صحَّتْ هذه الشهادات الثلاث فقد انتهت المسألة . وإنْ لم تصح وهناك إله آخر فأين هو ؟ ! إنْ كان لا يدري فهو إله نائم لا يصلح لهذه المكانة ، وإنْ كان يدري فلماذا لم يطالب بحقه . إذن : فهذه الدَّعْوى قد سلمتْ للحق سبحانه لأنه لم يدَّعها أحد لنفسه ، فهي للحق تبارك وتعالى حتى يقوم مَنْ يدعيها لنفسه . قال تعالى : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . أي : لو كان للكون إله آخر لطلبوا هذا الإله الذي استقرتْ له الأمور واستتبّ له الحال ، ليُجادلوه في هذه المسألة ، أو لطلبوه ليتقربوا إليه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً … } .