Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ } أي : إبليس { أَرَأَيْتَكَ } الهمزة للاستفهام ، والتاء للخطاب ، وكذلك الكاف ، وجمع بينهما في الخطاب للتأكيد ، كما تقول : أنت أنت تفعل ذلك . والمعنى : أخبرني ، لأن رأي البصرية تُطلق في القرآن على معنى العلم لأن علم العين علم مُؤكّد لا شكَّ فيه . لذلك قالوا : ليس مع العين أَيْن فما تراه أمامك عياناً ، وإنْ كان للعلم وسائل كثيرة فأقواها الرؤية لأنها تعطي علماً مؤكداً على خلاف الأذن مثلاً ، فقد تسمع بها كلاماً تعرف بعد ذلك أنه كذب . وقد ورد هذا المعنى في قَوْل الحق سبحانه : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] . واستخدم الفعل ترى ، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في عام الفيل وليداً لم يَرَ شيئاً ، فالمعنى : ألم تعلم ، ولكن الحق سبحانه عدل عن " تعلم " إلى " تَرَ " كأنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إذا أخبرك الله بمعلوم ، فاجعل إخبار الله لك فوق رؤيتك بعينك . فقوله تعالى : { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ … } [ الإسراء : 62 ] أي : أعلمني ، لماذا فضلته عليَّ ، وكأن تفضيل آدم على إبليس مسألة تحتاج إلى برهان وتبرير ، وكان على إبليس أن ينتظر إجابة هذا السؤال الذي توجه به لربّه عَزَّ وجل ، ولكنه تعجَّل وحمله الغيظ والحسد على أن يقول : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] . وهذا لأن حقده وعداوته لآدم مُسْبقة فلم ينتظر الجواب . ومعنى : { أَخَّرْتَنِ } أخَّرت أجلي عن موعده ، كأنه يعلم أن الله يجعل لكل نفس منفوسة من إنس أو جنٍّ أجلاً معلوماً ، فطلب أنْ يُؤخِّره الله عن أجله ، وهذه مبالغة منه في اللدد والعناد ، فلم يتوعدهم ويُهدّدهم مدة حياته هو ، بل إلى يوم القيامة ، فإن كانت البداية مع آدم فلن ينجو ولن تنجو ذريته أيضاً . فالعداوة بين إبليس وآدم ، فما ذنب ذريته من بعده ؟ لقد كان عليه أن يقصر هذا الحقد ، وهذه العداوة على آدم ، ثم يوصي ذريته بحمل هذا العداء من بعده ، إنه الغيظ الدفين الذي يملأ قلبه . وقد أمهله الحق سبحانه بقوله : { إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [ الأعراف : 15 ] . ومعنى : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ … } [ الإسراء : 62 ] اللام للقسم ، كما أقسم في آية أخرى : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] . وعجيب أمر إبليس ، يقسم بالله وهو يعلم أن العمر والأجل بيده سبحانه ، فيسأله أن يُؤخّره ، ومع ذلك لا يطيع أمره . والاحتناك : يَرِد بمعنيين : الأول : الاستئصال . ومنه قولهم : احتنك الجراد الزرع . أي : أتى عليه كله واستأصله ، والآخر : بمعنى القهر على التصرف ، مأخوذ من اللجام الذي يُوضَع في حنَك الفرس ، ويسمونه الحنكة وبها تستطيع أن تُوجّه الفرس يميناً أو يساراً أو تُوقِفه ، فهي أداة التحكّم فيه ، والسيطرة عليه قَهْراً . فالاحتناك قد يكون استئصالاً للذات ، وقد يكون قهراً لحركتها . وقوله سبحانه : { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] فيها دليل على عِلْم إبليس ومعرفته بقدرة الله تعالى ، فعرف كيف يقسم به حين قال : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] والمعنى : بعزتك عن خَلْقك : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . سأدخل من هذا الباب ، أما عبادك الذين هديتهم واصطفيتهم فلا دَخْلَ لي بهم ، وليس لي عليهم سلطان ، لقد تذكر قدرة الله ، وأن الله إذا أراد إخلاص عبده لنفسه لا يستطيع الشيطان أنْ يأخذَه ، فقال : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] . فقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] هذا القليل المستثنى هم المؤمنون الذين اختارهم الله وهداهم ، ولم يجعل للشيطان عليهم سبيلاً . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ … } .