Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 80-80)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مُدْخَلَ صِدْقٍ … } [ الإسراء : 80 ] أي : من حيث النظرة العامة لأنك قبل أنْ تدخلَ اطلب الخروج أولاً لأنك لن تدخلَ إلا بعد أنْ تخرجَ . وإنْ كان الترتيب الطبيعي أن نقول : أخرجني مُخْرَج صدق ، وأدخلني مُدْخَل صدق . نقول : لا ، لأن الدخول هو غاية الخروج ، ولأن الخروج متروك والدخول مستقبل لك ، إذن : الدخول هو الأهمّ فبدأ به . لذلك يقولون : إياك أنْ تخرجَ من أمر إلا إذا عرفتَ كيف تدخل . ومعنى مخرجَ الصدق ، ومدخل الصدق ، أنك لا تدخل أو تخرج بدون هدف ، فإنْ خرجتَ من مكان فليكُن مخرجك مخرج صدق ، يعني : مطابقاً لواقع مهمتك ، وإنْ دخلتَ مكاناً فليكُنْ دخولك مدخل صدق . أي : لهدف محدد تريد تحقيقه . فإن دخلتَ محلاً مثلاً فادخل لهدف ، كشراء سلعة مثلاً ، فهذا دخول صِدْق ، أما لو دخلتَ دون هدف أو لتؤدي خَلْق الله ، فليس في هذا دخول صدق . إذن : يكون دخولك لله وخروجك لله ، وهكذا خرج رسول الله من مكة ودخل المدينة ، فكان خروجه لله ودخوله لله ، فخرج مُخْرجَ صِدْق ، ودخل مُدخَل صدق ، لأنه صلى الله عليه وسلم ما خرج من مكة إلا لما آذاه قومه واضطهدوه وحاربوا دعوته حتى لم تعُدْ التربة في مكة صالحة لنمو الدعوة ، وما دخل المدينة إلا لما رأى النُّصْرة والمؤازرة من أهلها . فالصدق أنْ يطابق الواقع والسلوك ما في نفسك ، فلا يكُنْ لك قصور في نفسك ، ولك حركة مخالفة لهذا القصد . ثم يقول تعالى : { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } [ الإسراء : 80 ] . طلب النُّصْرة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه أرسله بمنهج الحق ، وسوف يصطدم هذا الحق بأهل الباطل والفساد الذين يحرصون على الباطل ، وينتفعون بالفساد ، وهؤلاء سوف يُعَادُون الدعوة ، ويُجابِهونها لذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى الذي أرسله واستعان به على مواجهة أعدائه . وقوله تعالى : { سُلْطَاناً نَّصِيراً } [ الإسراء : 80 ] السلطان : سبق أنْ أوضحنا أنه يُراد به إما حجة تُقنع ، وإما سيف يَرْدَع ، وهذا واضح في قَوْل الحق تبارك وتعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ … } [ الحديد : 25 ] أي : بالآيات الواضحات ، وهذه أدوات الحجة والإقناع . ثم يقول تعالى : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … } [ الحديد : 25 ] وهذه أدوات القوة والردع . فالخيِّر من الناس يرتدع بقول الله وبقول الرسول ويستجيب ، أما الشرير فلا تُجدي معه الحجة ، بل لا بُدّ من رَدْعه بالقوة ، فالأول إنْ تعرّض للحلف بالله حلف صادقاً ، أما الآخر فإنْ تعرّض للحلف حلف كاذباً ، ووجدها فُرْصة للنجاة ، ولسان حاله يقول : أتاك الفرج . وفي الأثر : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ … } .