Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 79-79)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهجود : هو النوم ، وتهجَّد : أي أزاح النوم والهجود عن نفسه ، وهذه خصوصية لرسول الله وزيادة على ما فرض على أمته ، أنْ يتهجَّد لله في الليل ، كما قال له ربه تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [ المزمل : 1 - 4 ] . فهذه الخصوصية لرسول الله وإنْ كانت فَرْضاً عليه ، إلا أنها ليست في قالب من حديد ، بل له صلى الله عليه وسلم مساحة من الحرية في هذه العبادة ، المهم أن يقوم لله تعالى جزءاً من الليل ، لكن ما عِلَّة هذه الزيادة في حَقِّ رسول الله ؟ العلة في قوله تعالى : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [ المزمل : 5 ] . وكأن التهجُّد ليلاً ، والوقوف بين يدي الله في هذا الوقت سيعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة والطاقة اللازمة للقيام بهذه المسئولية الملقاة على عاتقه ، ألاَ وهي مسئولية حَمْل المنهج وتبليغه للناس . وفي الحديث الشريف " أن رسول الله كان كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة " ، ومعنى حَزَبه أَمْر : أي : ضاقت أسبابه عنه ، ولم يَعُد له فيه منفذ ، فإنْ ضاقت عليه الأسباب فليس أمامه إلا المسبِّب سبحانه يلجأ إليه ويُهْرع إلى نجدته { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ المزمل : 6 ] . لأنك في الوقت الذي ينام فيه الناس ويخلدون إلى الراحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة ، تقوم بين يدي ربك مناجياً مُتضرِّعاً ، فتتنزل عليك منه الرحمات والفيوضات ، فَمَنْ قام من الناس في هذا الوقت واقتدى بك فَلَهُ نصيب من هذه الرحمات ، وحَظٌّ من هذه الفيوضات . ومَنْ تثاقلتْ رأسه عن القيام فلا حَظَّ له . إذن : في قيام الليل قوة إيمانية وطاقة روحية ، ولما كانت مهمة الرسول فوق مهمة الخَلْق كان حظّه من قيام الليل أزيد من حظهم ، فأعباء الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة ، والعِبْءُ الثقيل يحتاج الاتصال بالحق الأحد القيوم ، حتى يستعين بلقاء ربه على قضاء مصالحه . ومن العجيب أن ينصرف المسلمون عن هذه السُّنة ، ويتغافلون عنها ، فإذا حزبهم أمر لا يُهْرَعون إلى الصلاة ، بل يتعللون ، يقول أحدهم : أنا مشغول . وهل شغل الدنيا مبرر للتهاون في هذه الفريضة ؟ ومَنْ يدريك لعلك بالصلاة تُفتح لك الأبواب ، وتقضى في ساعة ما لا تقضيه في عدة أيام . ونقول لهؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة وتشغلهم الدنيا عنها ، فإنْ صَلُّوا صَلُّوا قضاءً ، فإن سألتَهم قالوا : المشاغل كثيرة والوقت لا يكفي ، فهل إذا أراد أحدهم الذهاب لقضاء حاجته ، هل سيجد وقتاً لهذا ؟ إنه لا شكَّ واجدٌ الوقت لمثل هذا الأمر ، حتى وإنْ تكالبتْ عليه مشاغل الدنيا ، فلماذا الصلاة هي التي لا تجد لها وقتاً ؟ ! وقوله تعالى : { نَافِلَةً لَّكَ . . } [ الإسراء : 79 ] . النافلة هي الزيادة عما فرض على الجميع لك أي : خاصة بك دون غيرك ، وهذا هو مقام الإحسان الذي قال الله عنه : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [ الذاريات : 15 - 16 ] . والمحسن هو الذي دخل مقام الإحسان ، بأن يزيد على ما فرضه الله عليه ، ومن جنس ما فرض لذلك جاءت حيثية الإحسان : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] . وهذا المقام ليس فرضاً عليك ، فلك أن تصلي العشاء وتنام حتى صلاة الفجر ، لكن إنْ أردت أن تتأسَّى برسول الله وتتشبّه به فادخُلْ في مقام الإحسان على قَدْر استطاعتك . ثم يقول تعالى : { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] . تحدثتْ الآية في أولها عن التكليف ، وهذا هو الجزاء ، و { عَسَىٰ } تدل على رجاء حدوث الفعل ، وفَرْق بين التمني والرجاء ، التمني : أن تعلن أنك تحب شيئاً لكنه غير ممكن الحدوث أو مستحيل ، ومن ذلك قول الشاعر : @ لَيْتَ الكَواكِبَ تَدْنُو ليِ فَأنْظِمُهَا @@ فالشاعر يتمنى لو أصبحت الكواكب بين يديه فينظمها قصائد مدح فيمن يمدحه ، وهذا أمر مستحيل الحدوث . وقوله : @ أَلاَ لَيْتَ الشَّباب يعُودُ يَوْماً فَأُخبرُه بِمَا فَعَلَ المشيِبُ @@ أما الرجاء فهو طلب فعل ممكن الحدوث . ويقع تحت الطلب أشياء متعددة فإنْ طلب المتكلم من المخاطب شيئاً غير ممكن الحدوث فهو تمنٍّ ، وإن طلب شيئاً ممكن الحدوث فهو ترجٍّ ، وإنْ طلب صورة الشيء لا حقيقته فهو استفهام كما تقول : أين زيد ؟ وفَرْقٌ بين طلب الحقيقة وطلب الصورة . فإنْ طلبتَ حقيقة الشيء ، فأمامك حالتان : إما أنْ تطلب الحقيقة على أنها تُفعل فهذا أمر ، مثل : قُمْ : فإنْ طلبتها على أنها لا تفعل فهذا نهي : لا تَقُمْ . إذن : { عَسَىٰ } تدل على الرجاء ، وهو يختلف باختلاف المرجو منه ، فإنْ رجوت من فلان فقد يعطيك أو يخذلك ، فإنْ قُلْتَ : عسى أنْ أعطيك فقد قربت الرجاء لأنني أرجو من نفسي ، لكن الإنسان بطبعه صاحب أغيار ، ويمكن أن تطرأ عليه ظروف فلا يَفِي بما وعد . فإنْ قُلْت : عسى الله أن يعطيك ، فهو أقوى الرجاء لأنك رجوتَ مَنْ لا يُعجِزه شيء ، ولا يتعاظمه شيء ، ولا تتناوله الأغيار إذن : فالرجاء فيه مُحقَّق لاَ شَكَّ فيه . والمقام المحمود ، كلمة محمود : أي الذي يقع عليه الحمد ، والحمد هنا مشاع فلم يَقُلْ : محمود مِمَّنْ ؟ فهو محمود مِمَّنْ يمكن أن يتأتّى منه الحمد ، محمود من الكل من لَدُنْ آدم ، وحتى قيام الساعة . والمراد بالمقام المحمود : هو مقام الشفاعة ، حينما يقف الخَلْق في ساحة الحساب وهَوْل الموقف وشِدّته ، حتى ليتمنى الناس الانصراف ولو إلى النار ، ساعتها تستشفع كُلُّ أمة بنبيها ، فيردّها إلى أنْ يذهبوا إلى خاتم المرسلين وسيد الأنبياء ، فيقول : أنا لها ، أنا لها . لذلك أمرنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء : " وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته " ولا شَكَّ أنه دعاء لصالحنا نحن . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ … } .