Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 100-100)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : تُعرَض عليهم ليروها ويشاهدوها ، وهذا العَرْض أيضاً للمؤمنين ، كما جاء في قوله تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا … } [ مريم : 71 ] والبعض يظن أن واردها يعني : داخلها ، لا بل واردها بمعنى : يراها ويمرُّ بها ، فقد ترِد الماء بمعنى تصل إليه دون أنْ تشربَ منه ذلك لأن الصراط الذي سيمر على الجميع مضروبٌ على ظهر جهنم ليراها المؤمن والكافر . أما المؤمن فرؤيته للنار قبل أنْ يدخل الجنة تُرِيه مدى نعمة الله عليه ورحمته به ، حيث نجّاه من هذا العذاب ، ويعلم فضل الإيمان عليه ، وكيف أنه أخذ بيده حتى مَرَّ من هذا المكان سالماً . لذلك يُذكّرنا الحق سبحانه بهذه المسألة فيقول : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ … } [ آل عمران : 185 ] . أما الكافر فسيُعرض على النار ويراها أولاً ، فتكون رؤيته لها قبل أن يدخلها رؤية الحسرة والندامة والفزع لأنه يعلم أنه داخلها ، ولن يُفلِتَ منها . وقد وردتْ هذه المسألة في سورة التكاثر حيث يقول تعالى : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 1 - 8 ] . والمراد : لو أنكم تأخذون عنِّي العلم اليقيني فيما أُخبركم به عن النار وعذابها لكُنْتم كمنْ رآها ، لأنني أنقل لكم الصورة العلمية الصادقة لها ، وهذا ما نُسمِّيه علم اليقين ، أما في الآخرة فسوف تروْنَ النار عينها . وهذا هو عين اليقين أي : الصورة العينية التي ستتحقق يوم القيامة حين تمرُّون على الصراط . وبرحمة الله بالمؤمنين وبفضله وكرمه تنتهي علاقة المؤمن بالنار عند هذا الحد ، وتُكتب له النجاة لذلك قال تعالى بعدها : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] . أما الكافر والعياذ بالله فلَهُ مع النار مرحلة ثالثة هي حّقُّ اليقين ، يوم يدخلها ويباشر حَرَّها ، كما قال تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 92 - 96 ] . إذن : عندنا عِلْم اليقين ، وهو الصورة العلمية للنار ، والتي أخبرنا بها الحق سبحانه وتعالى ، وأن من صفات النار كذا وكذا وحذَّرنا منها ، ونحن في بحبوحة الدنيا وسِعَتها . وعَيْن اليقين : في الآخرة عندما نمرُّ على الصراط ، ونرى النار رؤيا العين . ثم حَقُّ اليقين : وهذه للكفار حين يُلْقَوْن فيها ويباشرونها فعلاً . وقد ضربنا لذلك مثلاً : لو قُلْتُ لك : توجد مدينة اسمها نيويورك وبها ناطحات سحاب ، وأنها تقع على سبع جزر ، ومن صفاتها كذا وكذا فأُعطِيك عنها صورة علمية صادقة ، فإنْ صدَّقتني فهذا عِلْم يقين . فإنْ مررنا عليها بالطائرة ورأيتها رَأْيَ العين فهذا عَيْن اليقين ، فإنْ نزلت بها وتجولت خلالها فهذا حَقُّ اليقين . إذن : فقوله تعالى : { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } [ الكهف : 100 ] ليس كعرضها على المؤمنين ، بل هو عَرْض يتحقّق فيه حَقُّ اليقين بدخولها ومباشرتها . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ … } .