Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 101-101)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية ، ليس هذا وفقط ، بل : { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } [ الكهف : 101 ] . والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع ، سَمْع العبرة والعِظَة ، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع ، ويسمعون بها ، لكنه سمَاعٌ لا فائدةَ منه لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدُّون دونها آذانهم ، فهم في الخير أذن من طين ، وأذن من عجين كما نقول . أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم : { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ … } [ المائدة : 83 ] . إذن : فكراهية أولئك للمسموع جعلتهم كأنهم لا سَمْعَ لهم ، كما نقول نحن في لغتنا العامية : أنت مطنش عني ، يعني : لا تريد أنْ تسمعَ ، ومن أقوال أهل الفكاهة : قال الرجل لصاحبه : فيك مَنْ يكتم السرَّ ؟ قال : نعم ، قال : أعْطني مائة جنيه ، قال : كأنِّي لم أسمع . ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] . يعني : شَوِّشُوا عليه ، ولا تُعطوا الناس فرصة لسماعه ، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا ، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه ، ولا بُدَّ لهذا العربي الفصيح أنْ يهتزّ للقرآن ، ولا بُدَّ أنه سيعرف أنه مُعْجِز ، وأنه غير قَوْل البشر ، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله ، وأن محمداً رسول الله لذلك قال بعضهم لبعض محذراً : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] . وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الجاثية : 7 - 8 ] . وقد يتعدَّى الأمر مجرد السماع إلى منْع الكلام كما جاء في قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ … } [ إبراهيم : 9 ] . فليس الأمر منْع الاستماع ، بل أيضاً منع الكلام ، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتُؤثّر فيهم ، أي منعوهم الكلام كما يُقال : اسكت ، أو أغلق فمك . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ … } .