Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 104-104)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد ضلَّ سَعْي هؤلاء لأنهم يفعلون الشر ، ويظنون أنه خير ، فهم ضالّون من حيث يظنون الهداية . ومن ذلك ما نراه من أعمال الكفار حيث يبنون المستشفيات والمدارس وجمعيات الخير والبر ، ويُنَادون بالمساواة وغيرها من القيم الطيبة ، ويحسبون بذلك أنهم أحسنوا صُنْعاً وقدَّموا خَيْراً ، لكن هل أعمالهم هذه كانت لله ؟ الواقع أنهم يعملونها للناس وللشهرة وللتاريخ ، فليأخذوا أجورهم من الناس ومن التاريخ تعظيماً وتكريماً وتخليداً لذكراهم . ومعنى : { ضَلَّ سَعْيُهُمْ … } [ الكهف : 104 ] أي : بطُل وذهب ، وكأنه لا شيءَ ، مثل السراب كما صَوَّرهم الحق سبحانه في قوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً … } [ النور : 39 ] . وهؤلاء لا يبخسهم الله حقوقهم ، ولا يمنعهم الأَجْر لأنهم أحسنوا الأسباب ، لكن هذا الجزاء يكون في الدنيا لأنهم لما عملوا وأحسنوا الأسباب عملوا للدنيا ، ولا نصيبَ لهم في جزاء الآخرة . وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة في قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . ومع ذلك يُبقي للكافر حَقَّه ، فلا يجوز لأحد من المؤمنين أنْ يظلمه أو يعتدي عليه ، وفي حديث سيدنا جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " سمعت أن مُحدِّثاً حدَّث عن رسول الله بحديث أحببت ألاَّ أموت ، أو يموت هو حتى أسمعه منه ، فسألت عنه فقيل : إنه ذهب إلى الشام ، قال : فاشتريت ناقة ورحَّلتها ، وسرْت شهراً إلى أنْ وصلتُ إلى الشام ، فسألت عنه فقيل : إنه عبد الله بن أُنَيْس ، فلما ذهبت قال له خادمه : إن جابر بن عبد الله بالباب ، قال جابر : فخرج ابنُ أُنَيْس وقد وَطِئ ثيابه من سرعته . قال عبد الله : واعتنقا . قال جابر : حدِّثت أنك حدثتَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينادي يوم القيامة : يا ملائكتي ، أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أنْ يدخلَ النار وله عند أحد من أهل الجنة حَقٌّ حتى أقصّه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أنْ يدخلَ الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصَّه منه ، حتى اللطمة " . فانظر إلى دِقَّة الميزان وعدالة السماء التي تراعي حَقَّ الكافر ، فتقتصّ له قبل أنْ يدخل النارَ ، حتى ولو كان ظالمه مؤمناً . وفي قوله تعالى : { ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ الكهف : 104 ] جاءت كلمة الضلال في القرآن الكريم في عِدّة استعمالات يُحدِّدها السياق الذي وردتْ فيه . فقد يأتي الضلال بمعنى الكفر ، وهو قمة الضلال وقمة المعاصي ، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ البقرة : 108 ] . ويُطلق الضلال ، ويُراد به المعصية حتى من المؤمن ، كما جاء في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } [ الأحزاب : 36 ] . ويُطلق الضلال ، ويُراد به أنْ يغيب في الأرض ، كما في قوله تعالى : { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . يعني : غِبْنا فيها واختفينا . ويُطلَق الضلال ويُراد به النسيان ، كما في قوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ … } [ البقرة : 282 ] . ويأتي الضلال بمعنى الغفلة التي تصيب الإنسان فيقع في الذنب دون قصد . كما جاء في قصة موسى وفرعون حينما وكز موسى الرجل فقضى عليه ، فلما كلمه فرعون قال : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [ الشعراء : 20 ] . أي : قتلتُه حال غفلة ودون قصد ، ومَنْ يعرف أن الوكزة تقتل ؟ والحقيقة أن أجلَ الرجل جاء مع الوكزة لا بها . ويحدث كثيراً أن واحداً تدهسه سيارة وبتشريح الجثة يتبين أنه مات بالسكتة القلبية التي صادفتْ حادثة السيارة . ويأتي الضلال بمعنى : أَلاّ تعرف تفصيل الشيء ، كما في قوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] أي : لا يعرف ما هذا الذي يفعله قومه من الكفر . ثم يقول الحق سبحانه : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } .