Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 108-108)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وخلود النعيم في الآخرة يُميّزه عن نعيم الدنيا مهما سَمَا ، كما أن نعيم الدنيا يأتي على قَدْر تصوُّرنا في النعيم وعلى حَسْب قدراتنا ، وحتى إنْ بلغنا القمة في التنعُّم في الدنيا فإننا على خَوْف دائم من زواله ، فإما أنْ يتركك النعيم ، وإما أن تتركه ، وأما في الجنة فالنعمة خالدة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وأنت مُخلّد فيها فلن تتركك النعمة ولن تتركها . لذلك يقول تعالى بعدها : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [ الكهف : 108 ] أي : لا يطلبون تحوُّلهم عنها إلى غيرها ، لأنه لا يُتصوَّر في النعيم أعلى من ذلك . ومعلوم أن الإنسان لديه طموحات ترفيهية ، فكلما نال خيراً تطلع إلى أعلى منه ، وكلما حاز متعةً ابتغى أكثر منها ، هذا في الدنيا أما في الآخرة فالأمر مختلف ، وإلا فكيف يطلب نعيماً أعلى من الجنة الذي قال الله عنه : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً … } [ البقرة : 25 ] . أي : كلما رزقهم الله ثمرةً أتتْهم أخرى فقالوا : لقد رُزِقْنا مثلها من قبل ، وظنّوها كسابقتها ، لكنها ليست كسابقتها بل بطعم جديد مختلف ، وإنْ كانت نفس الثمرة ، ذلك لأن قدرة الأسباب محدودة ، أما قدرة المسبِّب فليست محدودة . والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يُخرِج لك الفاكهة الواحدة على ألف لَوْن وألف طَعْم لأن كمالاته تعالى لا تتناهى في قدرتها لذلك يقول تعالى : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً … } [ البقرة : 25 ] فالثمر واحد متشابه ، أمَّا الطعم فمختلف . والإنسان مِنّا لِيشقَّ طريقه في الحياة يظل يتعلّم ، ليأخذ شهادة مثلاً أو يتعلم مهنة ، ويظل في تعب ومشقة ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من عمره أملاً في أن يعيش باقي حياته المظنونة مرتاحاً هانئاً ، وَهْب أنك ستعيش باقي حياتك في راحة ، فكم سيكون الباقي منها ؟ أما الراحة الأبدية في الآخرة فهي زمن لا نهايةَ له ، ونعيم خالد لا ينتهي ، ففي أيِّ شيء يطمع الإنسان بعد هذا كله ؟ وإلى أيِّ شيء يطمح ؟ لذلك قال تعالى بعدها : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ … } .