Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 109-109)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لأن قدرته تعالى لا حدود لها ، وما دامت قدرته لا حدود لها فالمقدورات أيضاً لا حدود لها لذلك لو كان البحر مداداً أي : حِبْراً يكتب به كلمات الله التي هي كُنْ التي تبرز المقدورات ما كان كافياً لكلمات الله { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [ الكهف : 109 ] أي : بمثل البحر . ونحن نقول مثلاً عن السلعة الجيدة : لا يستطيع المصنع أنْ يُخرِج أحسن من هذه ، أما صنعة الله فلا تقف عند حد لأن المصنع يعالج الأشياء ، أما الحق - تبارك وتعالى - فيصنعها بكلمة كُنْ لذلك نجد في أرقى فنادق الدنيا أقصى ما توصَّل إليه العلم في خدمة البشر أنْ تضغط على زِرٍّ معين ، فيُخرِج لك ما تريد من طعام أو شراب . وهذه الأشياء بلا شكَّ مُعدَّة ومُجهَّزة مُسْبقاً ، فقط يتم استدعاؤها بالضغط على زر خاص بكل نوع ، لكن هل يوجد نعيم في الدنيا يحضر لك ما تريد بمجرد أن يخطر على بالك ؟ إذن : فنعيم الدنيا له حدود ينتهي عندها . لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ يونس : 24 ] . وكأن الحق سبحانه يقول لنا : لقد استنفدتم وسائلكم في الدنيا ، وبلغتم أقصى ما يمكن من مُتَعِها وزينتها ، فتعالوا إلى ما أعددتُه أنا لكم ، اتركوا ما كنتم فيه من أسباب الله ، وتعالوا عِيشُوا بالله ، كنتم في عالم الأسباب فتعالوْا إلى المسبِّب . وإنْ كان الحق سبحانه قد تكلم في هذه الآية عن المداد الذي تُكتب به كلمات الله ، فقد تكلَّم عن الأقلام التي يكتب بها في آية أخرى أكثر تفصيلاً لهذه المسألة ، فقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ … } [ لقمان : 27 ] . ونقف هنا عند دِقَّة البيان القرآني ، فلو تصوَّرنا ما في الأرض من شجر أقلام ، مع ما يتميز به الشجر من تجدُّد مستمر ، وتكرُّر دائم يجعل من الأشجار ثروة لا حَصْر لها ولا تنتهي ، وتصوَّرنا ماء البحر مداداً يُكتب به إلا أنّ ماء البحر منذ خلقه الله تعالى محدود ثابت لاَ يزيد ولا ينقص . لذلك لما كان الشجر يتجدَّد ويتكرَّر ، والبحر ماؤه ثابت لا يزيد . قال سبحانه : { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ … } [ لقمان : 27 ] ليتناسب تزايد الماء مع تزايد الشجر ، والمراد سبعة أمثاله ، واختار هذا العدد بالذات لأنه مُنتَهى العدد عند العرب . وقد أوضح لنا العلم دورة الماء في الطبيعة ، ومنها نعلم أن كمية الماء في الأرض ثابتة لا تزيد لأن ما يتم استهلاكه من الماء يتبخّر ويعود من جديد فالإنسان مثلاً لو شَرِب طيلة عمره مائة طن من الماء ، فاحسب ما يخرج منه من بول وعرق وفضلات في عملية الإخراج تجدها نفس الكمية التي شربها ، وقد تبخرتْ وأخذَتْ دورتها من جديد لذلك يقولون : رُبَّ شربةِ ماء شربها من آدم الملايين . ثم يقول الحق سبحانه : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ … } .