Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 110-110)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قُلْ أي : يا محمد ، وهذا كلام جديد { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ … } [ الكهف : 110 ] يعني : خُذُوني أُسْوة ، فأنا لست ملَكاً إنما أنا بشر مثلكم ، وحملتُ نفسي على المنهج الذي أطالبكم به ، فأنا لا آمركم بشيء وأنا عنه بنجْوَى . بل بالعكس كان صلى الله عليه وسلم أقلَّ الناس حَظّاً من مُتَعِ الحياة وزينتها . فكان في المؤمنين به الأغنياء الذين يتمتعون بأطايب الطعام ويرتدُونَ أغْلى الثياب في حين كان صلى الله عليه وسلم يمر عليه الشهر والشهران دون أنْ يُوقَد في بيته نار لطعام ، وكان يرتدي المرقّع من الثياب ، كما أن أولاده لا يرثونه ، كما يرث باقي الناس ، ولا تحل لهم الزكاة كغيرهم ، فحُرِموا من حَقٍّ تمتع به الآخرون . لذلك كان صلى الله عليه وسلم أدنى الأسوات أي : أقل الموجودين في مُتع الحياة وزُخْرفها ، وهذا يلفتنا إلى أن الرسالة لم تُجْرِ لمحمد نفعاً دنيوياً ، ولم تُميِّزه عن غيره في زَهْرة الدنيا الفانية ، إنما مَيَّزتْه في القيم والفضائل . ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول : " يرد عليَّ - يعني من الأعلى - فأقول : أنا لست مثلكم ، ويؤخذ مني فأقول : ما أنا إلا بشر مثلكم " . والآية هنا لا تميزه صلى الله عليه وسلم عن البشر إلا في أنه : { يُوحَىٰ إِلَيَّ … } [ الكهف : 110 ] فما زاد محمد عن البشر إلا أنه يُوحَى إليه . ثم يقول تعالى : { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ … } [ الكهف : 110 ] أنما : أداة قَصْر { إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ … } [ الكهف : 110 ] أي : لا إله غيره ، وهذه قِمَّة المسائل ، فلا تلتفتوا إلى إله غيره ، ومن أعظم نعم الله على الإنسان أنْ يكونَ له إله واحد ، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً ليوضح لنا هذه المسألة فقال تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً … } [ الزمر : 29 ] . فلا يستوي عبد مملوك لعدة أسياد يتجاذبونه لأنهم متشاكسون مختلفون يَحَارُ فيما بينهم ، إنْ أرضي هذا سخط ذاك . هل يستوي وعبد مملوك لسيد واحد ؟ إذن : فمما يُحمَد الله عليه أنه إله واحد . { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ … } [ الكهف : 110 ] الناس يعملون الخير لغايات رسمها الله لهم في الجزاء ، ومن هذه الغايات الجنة ونعيمها ، لكن هذه الآية تُوضّح لنا غاية أَسْمى من الجنة ونعيمها ، هي لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم ، فقوله تعالى : { يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ … } [ الكهف : 110 ] تصرف النظر عن النعمة إلى المنعم تبارك وتعالى . فمن أراد لقاء ربه لا مُجرَّد جزائه في الآخرة : { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً … } [ الكهف : 110 ] فهذه هي الوسيلة إلى لقاء الله لأن العمل الصالح دليل على أنك احترمتَ أمر الآمر بالعمل ، ووثقتَ من حكمته ومن حُبِّه لك فارتاحتْ نفسك في ظلِّ طاعته ، فإذا بك إذا أويْتَ إلى فراشك تستعرض شريط أعمالك ، فلا تجد إلا خيراً تسعَدُ به نفسك ، وينشرح له صدرك ، ولا تتوجَّس شراً من أحد ، ولا تخاف عاقبة أمر لا تُحمَدُ عقباه ، فمَنِ الذي أنعم عليك بكل هذه النعم ووفَّقك لها ؟ ثم : { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } [ الكهف : 110 ] وسبق أن قُلْنا : إن الجنة أحد ، فلا تشرك بعبادة الله شيئاً ، ولو كان هذا الشيء هو الجنة ، فعليك أنْ تسموَ بغاياتك ، لا إلى الجنة بل إلى لقاء ربها وخالقها والمنعِم بها عليك . وقد ضربنا لذلك مثلاً بالرجل الذي أعدَّ وليمة عظيمة فيها أطايب الطعام والشراب ، ودعا إليها أحبابه فلما دخلوا شغلهم الطعام إلا واحداً لم يهتم بالطعام والشراب ، وسأل عن صاحب الوليمة ليُسلِّم عليه ويأنس به . وما أصدق ما قالته رابعة العدوية : @ كُلُّهم يَعبدُونَ مِنْ خَوْفِ نارٍ ويروْنَ النَّجاةَ حَظَّا جَزِيلاً أَوْ بأنْ يسكنُوا الجِنَان فيحظَوْاَ بقصُورٍ ويشْرَبُوا سَلْسَبِيلا ليسَ لِي بالجنَانِ والنَّارِ حظٌّ أنَا لا أبتغِي بحُبِّي بَدِيلا @@ وهذا يشرح لنا الحديث القدسي : " لوْ لَم أخلق جنة وناراً ، أما كنتُ أَهْلاً لأنْ أُعْبَد ؟ " . فلا ينبغي للعبد أن يكون نفعياً حتى في العبادة ، والحق سبحانه وتعالى أهْل بذاته لأن يُعبد ، لا خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنته ، فاللهم ارزقنا هذه المنزلة ، واجعلنا برحمتك من أهلها .