Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والربط يعني أن تربط على الشيء وتشدّ عليه لتحفظ ما فيه ، كما تربط القِرْبة حتى لا يسيل منها الماء ، وتربط الدابة حتى لا تنفلت ، وقد وردتْ مادة ربط في القرآن كثيراً ، منها قوله تعالى في قصة أم موسى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا … } [ القصص : 10 ] . أي : ربط على ما في قلبها من الإيمان بالله الذي أوحى إليها أن تُلْقِيَ بولدها في الماء ، ولولا أنْ ربط الله على قلبها وثبّتها لانطلقتْ خلف ولدها تصرخ وتنتحب وتُلفِت إليه الأنظار : { كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ … } [ القصص : 10 ] . أي : تكشف عن الخُطّة التي أمرها الله بها لنجاة موسى عليه السلام ، وهكذا اطمأن قلب أم موسى ، وأصبح فؤادها فارغاً - أي : من الانفعالات الضارة ، ومعلوم أن القلب هو محلُّ الانفعالات ، بدليل ما يحدث فيه من اضطراب وزيادة ضربات وتدفُّق للدم عند الغضب مثلاً . ولا يُسمَّى القلب فؤاداً إلا إذا توقّد بالمشاعر وتحرك بها ، وربط الله على قلب أم موسى أحدث لها ضَبْطاً للشعور يحكم تصرفاتها فتأتي سليمة مُتمشّية مع الخطة المرادة . ومن هنا نأمر الغاضب الذي تغلي الدماء في عروقه بالهدوء وضبط النفس لأن الهدوء سيعينه على الحق ، ويُلجم جماح غضبه الذي لا تُحمد عُقباه ، ألا ترى التوجيه النبوي في حال الغضب ؟ إنه ينصح بتغيير الوضع الذي أنت عليه لأن هذه العملية تحدث لديك نزوعية ، تصرف عنك الغضب . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] أي : فارغة خالية ليس فيها شيء لأن الشيء إذا فَرَّغته من مُحتواه امتلأ بالهواء . وهنا يقول الحق سبحانه في أهل الكهف : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ … } [ الكهف : 14 ] لتظل بداخلها العقيدة والإيمان بالله لا تتزعزع ولا تُخرِجها الأحداث والشدائد ، وهذا من زيادة الهدى الذي أَخبرتْ به الآية السابقة . وقوله تعالى : { إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الكهف : 14 ] . قاموا : القيام هنا دليل على مواجهتهم للباطل ووقوفهم في وجهه ، وأن الباطل أفزعهم فهُّبوا للتصدِّي له بقولهم : { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الكهف : 14 ] ولا بُدَّ أنهم سمعوا كلاماً يناقض قولهم ، وتعرّضوا في دعوتهم للحرب والاضطهاد ، فالآية تعطي صورة لفريقين : فريق الكفر الذي ينكر وجود الله أو يشرك به ، وفريق الإيمان الذي يُعلنها مُدوّية : { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الكهف : 14 ] . وإنْ كان فريق الكفر يدعو إلى عبادة آلهة من دون الله فإن فريق الإيمان يقول : { لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } [ الكهف : 14 ] فإن ادّعَيْنَا إلهاً من دون الله { لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } [ الكهف : 14 ] أي : فقد تجاوزنا الحدّ ، وبَعُدْنا عن الصواب . ثم يقول الحق سبحانه : { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً … } .