Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا حديث الفتية بعضهم إلى بعض : ما دُمْنا اعتزلنا أهل الكفر ، ونأيْنَا عن طريقهم ، وسلكنا مسلكَ الإيمان بالله الذي يسَّره الله لنا ، فهيا بنا إلى الكهف نلجأ إليه ونحتمي فيه فراراً بديننا ، ومخافة أن يفتننا القوم عن ديننا . ويلفتنا هنا إلى أن فرار هؤلاء الفتية ليس إلى بلد آخر فيه مُتّسع للحياة ، بل إلى كهف ضيق في جبل في صحراء ، وليس به مُقوّم من مُقوّمات الحياة لذلك ينبهنا الحق سبحانه : إياك أن تقول : إن الكهف ضيق ، وكيف يعيشون فيه ؟ لأنهم مهاجرون إلى الله لاجئون إليه مُتوكّلون عليه . لذلك قال بعدها : { يَنْشُرْ لَكُمْ … } [ الكهف : 16 ] فالضيق يقابلُه البَسْط والسّعة ، لقد قالوا هذه الكلمة وهم واثقون في رحمة الله معتقدون أن الذي هاجروا إليه لن يُسلمهم ولن يخذلهم ، وسوف يُوسِّع عليهم برحمته هذا الضيق ، وقد وَسَّعه الله عليهم فعلاً حين أنامهم ، أَلاَ ترى النائم يربع في الدنيا هنا وهناك لا تحدُّه حدود ؟ ومن هذه السعة ما حدث في قصة نبي الله موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - حينما تبعه فرعون بجنوده حتى قال أتباعه : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ … } [ الشعراء : 61 ] ، فقد ضاق عليهم الخناق حيث البحر من أمامهم ، والعدو من خلفهم ، ولا مهربَ لهم فيما يرون من واقع الأمر . فماذا قال موسى لقومه في هذا الموقف ؟ قال بملء فيه قوْلَة الواثق من نصر الله : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . فجاءه التأييد من ربه في التوِّ واللحظة ، وفُرّج عنه وعن أصحابه ما يُلاَقون من ضيق المخرج ، فأوحى الله إليه : { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ … } [ الشعراء : 63 ] . كذلك هنا : { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ … } [ الكهف : 16 ] . ثم يقول تعالى : { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } [ الكهف : 16 ] والمراد بالمرفق جمع مرافق ، وهي مُقوّمات الحياة التي لا يستغني عنها الإنسان ، فلما أنامهم الله أغناهم عن مرافق الحياة ، لأنهم إنْ ظلوا في حال اليقظة فلا بُدَّ أنْ يحتاجوا إلى هذه المرافق . ثم يقول الحق سبحانه : { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ … } .