Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-17)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أنْ ضرب الله على آذانهم فعصمهم من الأصوات التي تُزعجهم وتُقلِق نومهم عصمهم أيضاً من ضوء الشمس ، وقد أثبتت الأبحاث خطر الأشعة خاصة على النائم ، وأن للظُّلمة مهمةً ، فبها تهدأ الأعصاب وترتاح الأعضاء ، والشمس خَلْق من خَلْق الله ، لها مَدارٌ ثابت وقانون لا يتخلّف ، كما قال تعالى : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] . ولكن الخالق سبحانه وتعالى خرق لهم نظام الشمس حتى لا يزعجهم ضوؤها فجعلها { تَّزَاوَرُ } أي : تميل عند طلوعها عن الكهف ، ومنه الزُّور : أي الميل عن الحق ، وازورّ عن الشيء أي : مال عنه ، فكانت الشمس إذا طلعتْ تميل عن الكهف جهة اليمين . { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ … } [ الكهف : 17 ] والقرْض - كما هو معلوم - أنْ تعطي غيرك شيئاً يحتاج إليه ، فكأن الشمس تقرضهم وتسلفهم ، كونها لا تدخل عليهم عند غروبها ، وهذا أمر ليس من حقهم ، فكأنها تقرضهم إياه . ولا شَكَّ أن هذه العملية مظهرٌ من مظاهر قدرة الله التي تصنع الشيء وضده . ونلحظ أن الحق - سبحانه وتعالى - جعل الفعل للشمس في تزاور وتقرضهم ، وكأنها تفعل ذلك من نفسها بعد أنْ ضبط الله تعالى حركتها على هذه الأفعال كما تضبط الآلة اليوم . وقوله : { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ … } [ الكهف : 17 ] أي : في الكهف { ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ … } [ الكهف : 17 ] وما دامت هذه الأفعال للشمس آيةً من آيات الله ، ومعجزة من معجزاته تعالى ، فإياك أنْ تعترضَ : كيف تميل الشمس ؟ وكيف تُغيِّر اتجاهها ؟ لأن الخالق سبحانه خلق الخَلْق ، وأعطى لكل مخلوق قانونه الذي يسير به ، ومع ذلك لم يترك لكل مخلوق أنْ يفعل بقانونه ما يريد ، بل له سبحانه وتعالى قيُّومية على القانون ، تبطله إنْ شاء ، وتحركه إنْ شاء . ثم يقول تعالى : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } [ الكهف : 17 ] . فقضية الهداية والإضلال قائمة من قديم ، ولا تزال ذيول هذه المعركة موجودة إلى الآن ، فهناك دائماً من يقول : إذا كان الله هو الهادي والمُضِل ، فلماذا يعذبني إن ضللت ؟ وشاع هذا السؤال وأخذه المستشرقون والفلاسفة ، ويراد منه إيجاد مبرر للنفس العاصية غير الملتزمة ، ونقول لكل مجادل : لماذا قصرت الاعتراض على مسألة الضر والعذاب إن ضللت ؟ ولماذا لم تذكر الثواب إن أحسنت وآمنت ؟ إن اقتصارك على الأولى دون الثانية دليل على أن الهداية التي جاءت لك هي مكسب تركته وأخذت المسألة التي فيها ضرر ، ولا يقول ذلك إلا المسرفون على أنفسهم . والهداية نوعان : هداية دلالة ، وهي للجميع ، للمؤمن والكافر لأن الحق سبحانه لم يدل المؤمن فقط ، بل يدل المؤمن والكافر على الإيمان به ، فمن يُقبل على الإيمان به ، فإن الحق تبارك وتعالى يجد فيه أهلاً للمعونة ، فيأخذ بيده ويعينه ، ويجعل الإيمان خفيفاً على قلبه ، ويعطي له طاقة لفعل الخير ، ويشرح له صدره وييسر له أمره . فمن شاء الحق سبحانه هدايته أعطاه الهداية ، ومن شاء له الضلال زاده ضلالاً ، وقد بيّن أن من شاء هدايته يهتدي ، وهذه معونة من الله ، والكافر لا يهتدي ، وكذلك الظالم والفاسق ، لأنه سبحانه قد ترك كل واحد منهم لاختياره ، وهكذا يمنع الحق سبحانه عنهم هداية المعونة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ … } .