Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد اختلف القوم في عدد أهل الكهف ، منهم مَنْ قال : ثلاثة رابعهم كلبهم . ومنهم مَنْ قال : خمسة سادسهم كلبهم ، وعلَّق الحق سبحانه على هذا القول بأنه { رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } لأنه قَوْل بلا عِلْم ، مما يدلُّنا على خطئه ومخالفته للواقع . ومنهم مَنْ قال : سبعة وثامنهم كلبهم ، ولم يُعلِّق القرآن على هذا الرأي مما يدُّل على أنه الأقرب للصواب . ثم يأتي القول الفَصْل في هذه المسألة : { قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ … } [ الكهف : 22 ] فلم يُبيّن لنا الحق سبحانه عددهم الحقيقي ، وأمرنا أن نترك هذا لعلمه سبحانه ، ولا نبحث في أمر لا طائل منه ، ولا فائدة من ورائه ، فالمهم أنْ يثبت أَصْل القصة وهو : الفتية الأشدّاء في دينهم والذين فَرُّوا به وضَحَّوْا في سبيله حتى لا يفتنهم أهل الكفر والطغيان ، وقد لجأوا إلى الكهف ففعل الله بهم ما فعل ، وجعلهم آيةً وعبرةً ومثَلاً وقدْوة . أما فرعيات القصة فهي أمور ثانوية لا تُقدّم ولا تُؤخّر لذلك قال تعالى بعدها : { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً … } [ الكهف : 22 ] أي : لا تجادل في أمرهم . ثم يأتي فضول الناس ليسألوا عن زمن القصة ومكانها ، وعن أشخاصها وعددهم وأسمائهم ، حتى كلبهم تكلموا في اسمه . وهذه كلُّها أمور ثانوية لا تنفع في القصة ولا تضرُّ ، ويجب هنا أن نعلم أن القَصَص القرآني حين يبهم أبطاله يبهمهم لحكمة ، فلو تأملتَ إبهام الأشخاص في قصة أهل الكهف لوجدته عَيْن البيان لأصل القصة لأن القرآن لو أخبرنا مثلاً عن مكان هؤلاء الفتية لقال البعض : إن هذا الحدث من الفتية خاص بهذا المكان لأنه كان فيه قدر من حرية الرأي . ولو حدد زمانهم لَقال البعض : لقد حدث ما حدث منهم لأن زمانهم كان من الممكن أن يتأتّى فيه مثل هذا العمل ، ولو حدد الأشخاص وعيَّنهم لقالوا : هؤلاء أشخاص لا يتكررون مرة أخرى . لذلك أبهمهم الله لتتحقّق الفائدة المرجوّة من القصة ، أبهمهم زماناً ، وأبهمهم مكاناً ، وأبهمهم عدداً ، وأبهمهم أشخاصاً ليشيع خبرهم بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص ، فحمل راية الحق ، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص ، وهذا هو عَيْن البيان للقصة ، وهذا هو المغزى من هذه القصة . وانظر إلى قوله تبارك وتعالى : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ … } [ غافر : 28 ] . هكذا { رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ } دون أن يذكر عنه شيئاً ، فالمهم أن الرجولة في الإيمان ، أيّاً كان هذا المؤمن في أيّ زمان ، وفي أيّ مكان ، وبأيّ اسم ، وبأيّ صفة . كذلك في قوله تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ … } [ التحريم : 10 ] ولم يذكر عنهما شيئاً ، ولم يُشخِّصهما لأن التشخيص هنا لا يفيد ، فالمهم والمراد من الآية بيانُ أن الهداية بيد الله وحده ، وأن النبي المرسَل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه ، وأن للمرأة حريةً عَقَدية مُطْلقة . وكذلك في قوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ … } [ التحريم : 11 ] ولم يذكر لنا مَنْ هي ، ولم يُشخِّصها لأن تعيُّنها لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر ، المهم أن نعلم أن فرعونَ الذي ادَّعى الألوهية وبكل جبروته وسلطانه لم يستطع أنْ يحمل امرأته على الإيمان به . إذن : العقيدة والإيمان أمر شخصيّ قلبي ، لا يُجبر عليه الإنسان ، وها هي امرأة فرعون تؤمن بالله وتقول : { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ التحريم : 11 ] . أما في قصة مريم ، فيقول تعالى : { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ … } [ التحريم : 12 ] فشخَّصها باسمها ، بل واسم أبيها ، لماذا ؟ قالوا : لأن الحدث الذي ستتعرَّض له حَدَثٌ فريد وشيء خاصٌّ بها لن يتكرر في غيرها لذلك عيَّنها الله وعرَّفها ، أما الأمر العام الذي يتكرر ، فمن الحكمة أنْ يظلَّ مُبْهماً غير مرتبط بشخص أو زمان أو مكان ، كما في قصة أهل الكهف ، فقد أبهمها الحق سبحانه لتكون مثالاً وقُدْوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ … } .