Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أعطتْ الثمرة المطلوبة منها ، والأُكُل : هو ما يُؤكل ، ونعرف أن الزراعات تتلاحق ثمارها فتعطيك شيئاً اليوم ، وشيئاً غداً ، وشيئاً بعد غد وهكذا . { وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً … } [ الكهف : 33 ] كلمة { تَظْلِم } تعطينا إشارة إلى عمل الخير في الدنيا ، فالأرض وهي جماد لا تظلم ، ولا تمنعك حقاً ، ولا تهدِر لك تعباً ، فإنْ أعطيتَها جهدك وعملك جادتْ عليك ، تبذر فيها كيلة تعطيك إردباً ، وتضع فيها البذرة الواحدة فتُغِلُّ عليك الآلاف . إذن : فهي كريمة جوادة شريطة أن تعمل ما عليك من حَرْثٍ وبَذْر ورعاية وسُقْيا ، وقد تريحك السماء ، فتسقي لك . لذلك ، لما أراد الحق سبحانه أنْ يضرب لنا المثل في مضاعفة الأجر ، قال : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ … } [ البقرة : 261 ] . فإذا كانت الأرض تعطيك بالحبة سبعمائة حبة ، فما بالك بخالق الأرض ؟ لا شك أن عطاءه سيكون أعظم لذلك قال بعدها : { وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] . إذن : فالأرض لا تظلم ، ومن عدل الأرض أنْ تعطيك على قَدْر تعبك وكَدِّك فيها ، والحق سبحانه أيضاً يُقدِّر لك هذا التعب ، ويشكر لك هذا المجهود ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى أحد الصحابة وقد تشققت يداه من العمل قال : " هذه يَدٌ يحبها الله ورسوله " . يحبها الله ورسوله لأنها تعبت وعملت لا على قَدْر حاجتها ، بل على أكثر من حاجتها ، عملتْ لها وللآخرين ، وإلا لو عمل كُلُّ عامل على قَدْر حاجته ، فكيف يعيش الذي لا يقدر على العمل ؟ إذن : فعلى أصحاب القدرة والطاقة أنْ يعملوا لما يكفيهم ، ويكفي العاجزين عن العمل ، وهَبْ أنك لن تتصدَّق بشيء للمحتاج ، لكنك ستبيع الفائض عنك ، وهذا في حَدِّ ذاته نوعٌ من التيسير على الناس والتعاون معهم . وما أشبه الأرض في عطائها وسخائها بالأم التي تُجزِل لك العطاء إنْ بررْتَ بها ، وكذلك الأرض ، بل إن الأم بطبيعتها قد تعطيك دون مقابل وتحنو عليك وإنْ كنت جاحداً ، وكذلك الأرض ألاَ تراها تُخرج لك من النبات ما لم تزرعه أو تتعب فيه ؟ فكيف إذا أنت أكرَمتها بالبر ؟ لا شك ستزيد لك العطاء . والحقيقة أن الأرض ليست أُمَّنا على وجه التشبيه ، بل هي أُمّنا على وجه الحقيقة لأننا من ترابها وجزء منها ، فالإنسان إذا مرض مثلاً يصير ثقيلاً على كل الناس لا تتحمله وتحنو عليه وتزيل عنه الأذى مثل أمه ، وكذلك إن مات وصار جيفة يأنف منه كل أخ مُحب وكل قريب ، في حين تحتضنه الأرض ، وتمتص كل ما فيه ، وتستره في يوم هو أحوج ما يكون إلى الستر . ثم يقول تعالى : { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً … } [ الكهف : 33 ] ذلك لأن الماء هو أَصْل الزرع ، فجعل الله للجنتين ماءً مخصوصاً يخرج منهما ويتفجر من خلالهما لا يأتيهما من الخارج ، فيحجبه أحد عنهما . ثم يقول الحق سبحانه : { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ … } .