Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : اذكر جيداً يوم نُسيِّر الجبال وتنتهي هذه الدنيا ، واعمل الباقيات الصالحات لأننا سنُسيّر الجبال التي تراها ثابتة راسخة تتوارث الأجيال حجمها وجِرْمها ، وقوتها وصلابتها ، وهي باقية على حالها . ومعنى تسيير الجبال : إزالتها عن أماكنها ، كما قال في آية أخرى : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] . وقال في آية أخرى { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [ التكوير : 3 ] وقال : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } [ المرسلات : 10 ] وقال : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ * وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [ المعارج : 8 - 9 ] . ونلحظ أن الحق سبحانه ذكر أقوى مظهر ثابت في الحياة الدنيا ، وإلا ففي الأرض أشياء أخرى قوية وثابتة كالعمائر ناطحات السحاب ، والشجر الكبير الضخم المعمّر وغيرها كثير . فإذا كان الحق سبحانه سينسف هذه للجبال ويُزيلها عن أماكنها ، فغيرها مما على وجه الأرض زائل من باب أَوْلَى . ثم يقول سبحانه : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] . الأرض : كُلّ ما أقلَّك من هذه البسيطة التي نعيش عليها ، وكل ما يعلوك ويُظِلُّك فهو سماء ، ومعنى : { بَارِزَةً } البَرَازُ : هو الفضاء ، أي : وترى الأرض فضاءً خالية مما كان عليها من أشكال الجبال والمباني والأشجار ، حتى البحر الذي يغطي جزءاً كبيراً من الأرض . كل هذه الأشكال ذهبتْ لا وجودَ لها ، فكأن الأرض بَرزَتْ بعد أنْ كانت مختبئة : بعضها تحت الجبال ، وبعضها تحت الأشجار ، وبعضها تحت المباني ، وبعضها تحت الماء ، فأصبحتْ فضاء واسعاً ، ليس فيه مَعْلَمٌ لشيء . ومن ذلك ما نُسمِّيه نحن المبارزة ، فنرى الفتوة يقول للآخر اطلع لي بره أي : في مكان خال حتى لا يجد شيئاً يحتمي به ، أو حائطاً مثلاً يستند عليه ، وبرز فلان لفلان وبارزه أي : صارعه . { وَحَشَرْنَاهُمْ } [ الكهف : 47 ] أي : جمعناهم ليوم الحساب لأنهم فارقوا الدنيا على مراحل من لَدُن آدم عليه السلام ، والموت يحصد الأرواح ، وقد جاء اليوم الذي يُجمع فيه هؤلاء . { فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } [ الكهف : 47 ] أي : لم نترك منهم واحداً ، الكلُّ معروض على الله ، وكلمة { نُغَادِرْ } [ الكهف : 47 ] ومادة غدر تؤدي جميعها معنى الترْك ، فالغدر مثلاً تَرْك الوفاء وخيانة الأمانة ، حتى غدير وهو جدول الماء الصغير سُمِّي غديراً لأن المطر حينما ينزل على الأرض يذهب ويترك شيئاً قليلاً في المواطئ . ثم يقول الحق سبحانه : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ … } .