Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 49-49)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } [ الكهف : 49 ] أي : وضعته الملائكة بأمر من الله تعالى ، فيعطون كل واحد كتابه ، فهي - إذن - صور متعددة ، فمَنْ أخذ كتابه بيمينه فرح وقال : { هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَابيَهْ } [ الحاقة : 19 ] يعرضه على ناس ، وهو فخور بما فيه لأنه كتاب مُشرِّف ليس فيه ما يُخجل لذلك يتباهى به ويدعو الناس إلى قراءته ، فهو كالتلميذ الذي حصل على درجات عالية ، فطار بها ليعرضها ويذيعها . وهذا بخلاف مَنْ أوتي كتابه بشماله فإنه يقول : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ * مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [ الحاقة : 25 - 29 ] . إنه الخزي والانكسار والندم على صحيفة مُخْجِلة . { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] أي : خائفين يرتعدون ، والحق سبحانه وتعالى يصور لنا حالة الخوف هذه ، لِيُفزع عباده ويُحذِّرهم ويُضخِّم لهم العقوبة ، وهم ما يزالون في وقت التدارك والتعديل من السلوك ، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده . فحالتهم الأولى الإشفاق ، وهو عملية هبوط القلب ولجلجته ، ثم يأتي نزوع القول : { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا } [ الكهف : 49 ] يا : أداة للنداء ، كأنهم يقولون : يا حسرتنا يا هلاكنا ، هذا أوانُك فاحضري . ومن ذلك قوله تعالى في قصة ابني آدم - عليه السلام - لما قتل قابيل هابيل ، وكانت أول حادثة قتل ، وأول ميت في ذرية آدم لذلك بعث الله له غراباً يُعلِّمه كيف يدفن أخاه ، فقال : { يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي … } [ المائدة : 31 ] { يَاوَيْلَتَا } [ المائدة : 31 ] يا هلاكي كأن يتحسَّر على ما أصبح فيه ، وأن الغراب أعقل منه ، وأكثر منه خبرة لكي لا نظلم هذه المخلوقات ونقول : إنها بهائم لا تَفهم ، والحقيقة : ليتنا مثلهم . قوله تعالى : { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] أي : لا يترك كبيرة أو صغيرة إلا عدَّها وحسبها { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [ الكهف : 49 ] فكل ما فعلوه مُسجَّل مُسطّر في كُتبهم { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] لأنه سبحانه وتعالى عادل لا يؤاخذهم إلا بما عملوه . ثم يقول الله سبحانه : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ … } .