Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 50-50)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تكررتْ قصة سجود الملائكة لآدم - عليه السلام - كثيراً في القرآن الكريم ، وفي كل مرة تُعطينا الآياتُ لقطةً معينة ، والحق سبحانه في هذه الآية يقول لنا : يجب عليكم أنْ تذكّروا جيداً عداوة إبليس لأبيكم آدم ، وتذكروا جيداً أنه أخذ العهد على نفسه أمام الله تعالى أنْ يُغويكم أجمعين ، فكان يجب عليكم أن تتنبهوا لهذه العداوة ، فإذا حدّثكم بشيء فاذكروا عداوته لكم . والحق - سبحانه وتعالى - حينما يُحذّرنا من إبليس فإنه يُربِّي فينا المناعة التي نُقاومه بها ، والمناعة أنْ تأتيَ بالشيء الذي يضرُّ مستقبلاً حين يفاجئك وتضعه في الجسم في صورة مكروب خامد ، وهذا هو التطعيم الذي يُعوِّد الجسم على مدافعة المرض وتغلَّب عليه إذا أصابه . فكذلك الحق سبحانه يعطينا المناعة ضد إبليس ، ويُذكِّرنا ما كان منه لأبينا آدم واستكباره عن السجود له ، وأن نذكر دائماً قوله : { أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] . فانتبهوا ما دُمنا سنُسيّر الجبال ، ونُسوِّي الأرض ، ونحصر لكلٍّ كتابه ، فاحذروا أنْ تقفوا موقفاً حرجاً يوم القيامة ، ثم تُفَاجأوا بكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، وها أنا أُذكّركم من الآن في وقت السَّعة والتدارك ، فحاولوا التوبة إلى الله ، وأنْ تصلحوا ما بينكم وبين ربكم . والأمر هنا جاء للملائكة : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ … } [ الكهف : 50 ] لأنهم أشرف المخلوقات ، حيث لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يُؤمَرُون . وحين يأمر الله تعالى الملائكة الذين هذه صفاتهم بالسجود لآدم ، فهذا يعني الخضوع ، وأن هذا هو الخليفة الذي آمُركُم أنْ تكونوا في خدمته . لذلك سمَّاهم : المدبّرات أمراً ، وقال تعالى عنهم : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ الرعد : 11 ] فكأن مهمة هؤلاء الملائكة أن يكونوا مع البشر وفي خدمتهم . فإذا كان الحق سبحانه قد جنَّد هؤلاء الملائكة وهم أشرفُ المخلوقات لخدمة الإنسان ، وأمرهم بالسجود له إعلاناً للخضوع للإنسان ، فمن باب أَوْلى أن يخضع له الكون كله بسمائه وأرضه ، وأن يجعلَه في خدمته ، إنما ذكر أشرف المخلوقات لينسحب الحكم على مَنْ دونهم . وقلنا : إن العلماء اختلفوا كثيراً على ماهية إبليس : أهو من الجن أم من الملائكة ، وقد قطعت هذه الآية هذا الخلاف وحَسَمَتْه ، فقال تعالى : { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ … } [ الكهف : 50 ] وطالما جاء القرآن بالنص الصريح الذي يُوضّح جنسيته ، فليس لأحد أن يقول : إنه من الملائكة . وما دام كان من الجن ، وهم جنس مختار في أنْ يفعل أو لا يفعل ، فقد اختار ألاَّ يفعل : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ … } [ الكهف : 50 ] أي : رجع إلى أصله ، وخرج عن الأمر . وقوله تعالى : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ . . } [ الكهف : 50 ] فهذا أمر عجيب ، فكيف بعد ما حدث منه تجعلونه ولياً من دون الله الذي خلقكم ورزقكم ، فكان أَوْلَى بهذه الولاية . و { وَذُرِّيَّتَهُ … } [ الكهف : 50 ] تدل على تناسل إبليس ، وأن له أولاداً ، وأنهم يتزاوجون ، ويمكن أن نقول : ذريته : كل مَنْ كان على طريقته في الضلال والإغواء ، ولو كان من الإنس ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً … } [ الأنعام : 112 ] . { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [ الكهف : 50 ] أي : بئس البدل أن تتخذوا إبليس الذي أبى واستكبر أنْ يسجدَ لأبيكم وَلياً ، وتتركوا ولاية الله الذي أمر الملائكة أنْ تسجدَ لأبيكم . ثم يقول الحق سبحانه : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ … } .