Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبق أن تكلمنا عن تصريف الآيات ، وقلنا : إن التصريف معناه تحويل الشيء إلى أشياء متعددة ، كما يصرّف الله الرياح مثلاً ، فلا تأتي من ناحية واحدة ، بل تأتي مرة من هنا ، ومرة من هناك ، كذلك صَرّف الله الأمثال . أي : أتى بأحوال متعددة وصُور شتى منها . والحق سبحانه يضرب الأمثال كأنه يقرع بها آذان الناس لأمر قد يكون غائباً عنهم ، فيمثله بأمر واضح لهم مُحَسٍّ ليتفهموه تفهّماً دقيقاً . وما دام أن الحق سبحانه صرّف في هذا القرآن من كل مثَل ، فلا عُذْر لمن لم يفهم ، فالقرآن قد جاء على وجوه شتّى ليُعلم الناس على اختلاف أفهامهم ومواهبهم لذلك ترى الأمي يسمعه فيأخذ منه على قدر فَهْمه ، والنصف مثقف يسمعه فيأخذ منه على قدر ثقافته ، والعالم الكبير يأخذ منه على قدر علمه ويجد فيه بُغْيته ، بل وأكثر من ذلك ، فالمتخصص في أيِّ علم من العلوم يجد في كتاب الله أدقّ التفاصيل لأن الحق سبحانه بيَّن فيه كل شيء . ثم يقول تعالى : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [ الكهف : 54 ] أي : كثير الخصومة والتنازع في الرأي ، والجدل : هو المحاورة ومحاولة كل طرف أن يثبت صِدْق مذهبه وكلامه ، والجدل إما أن يكون بالباطل لتثبيت حجة الأهواء وتراوغ لتبرر مذهبك ولو خطأً ، وهذا هو الجَدل المعيب القائم على الأهواء . وإما أن يكون الجدل بالحق وهو الجدل البنّاء الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة ، وهذا بعيد كل البعد عن التحيّز للهوى أو الأغراض . ولما تحدَّث القرآن الكريم عن الجدل قال تعالى : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ العنكبوت : 46 ] وقال : { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ النحل : 125 ] . " والنبي صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على عليٍّ وفاطمة - رضي الله عنهما - ليوقظهما لصلاة الفجر ، وطرق عليهما الباب مرة بعد أخرى ، ويبدو أنهما كانا مستغرقيْن في نوم عميق ، فنادى عليهما صلى الله عليه وسلم " ألا تصلون ؟ " فردَّ الإمام علي قائلاً : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله ، إن شاء أطلقها وإن شاء أمسكها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } " [ الكهف : 54 ] . لأن الإنسان له أهواء متعددة وخواطر متباينة ، ويحاول أنْ يُدلّل على صحة أهوائه وخواطره بالحجة ، فيقارع الحق ويغالط ويراوغ . ولو دققتَ في رأيه لوجدتَ له هوىً يسعى إليه ويميل إلى تحقيقه ، وترى ذلك واضحاً إذا اخترتَ أحد الطرق تسلكه أنت وصاحبك مثلاً لأنه أسهلها وأقربها ، فإذا به يقترح عليك طريقاً آخر ، ويحاول إقناعك به بكل السُّبل ، والحقيقة أن له غرضاً في نفسه وهوىً يريد الوصول إليه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ … } .