Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ أَظْلَمُ … } [ الكهف : 57 ] جاء الخبر على صورة الاستفهام لتأكيد الكلام ، كأنْ يدَّعي صاحبك أنك لم تصِلْه ، ولم تصنع معه معروفاً ، فمن الممكن أن تقول له : صنعتُ معك كذا وكذا على سبيل الخبر منك ، والخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب . إنما لو عرضْتَ المسألة على سبيل الاستفهام فقُلْتَ له : ألم أصنع معك كذا ؟ فسوف تجتذب منه الإقرار بذلك ، وتقيم عليه الحجة من كلامه هو ، وأنت لا تستفهم عن شيء من خَصْم إلا وأنت واثق أن جوابه لا يكون إلا بما تحب . وهكذا أخرج الحق سبحانه الخبر إلى الاستفهام : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ … } [ الكهف : 57 ] ؟ وترك لنا الجواب لنقول نحن : لا أحدَ أظلمُ ممَّنْ فعل ذلك ، والإقرار سيد الأدلة . وقوله { فَأَعْرَضَ عَنْهَا … } [ الكهف : 57 ] تركها { وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ … } [ الكهف : 57 ] نسى السيئات ، وكان من الواجب أن يتنبه إلى هذه الآيات فيؤمن بها ، لعل الله يتوب عليه بإيمانه ، فيُبدِّل سيئاته حسنات . ثم يقول تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ … } [ الكهف : 57 ] . أكنة : أغطية جمع كِنّ ، فجعل الله على قلوبهم أغطية ، فلا يدخلها الإيمان ، ولا يخرج منها الكفر ، وليس هذا اضطهاداً منه تعالى لعباده ، تعالى الله عن ذلك ، بل استجابة لما طلبوا وتلبية لما أحبُّوا ، فلما أحبُّوا الكفر وانشرحتْ به صدورهم زادهم منه لأنه رَبٌّ يعطي عبده ما يريد . كما قال عنهم في آية أخرى : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [ البقرة : 10 ] . وقال تعالى في هذا المعنى : { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ … } [ البقرة : 7 ] . ومعنى : { أَن يَفْقَهُوهُ … } [ الكهف : 57 ] أي : يفهموه ، يفهموا آيات الله لأنهم سبق أنْ ذُكِّرُوا بها فأعرضوا عنها ، فحرَمهم الله فقهها وفهمها . وقوله تعالى : { وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً … } [ الكهف : 57 ] أي : صمم فلا يسمعون { وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } [ الكهف : 57 ] وهذا أمر طبيعي ، بعد أن ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم ، وسَدَّ عليهم منافذ العلم والهداية لأن الهدى ناشىء من أن تسمع كلمة الحق ، فيستقبلها قلبُكَ بالرضا ، فتنفعل لها جوارحك بالالتزام ، فتسمع بالأذن ، وتقبل بالقلب ، وتنفعل بالجوارح طاعةً والتزاماً بما أُمِرَتْ به . وما دام في الأذن وَقْر وصَمَمٌ فلن تسمع ، وإنْ سمعتْ شيئاً أنكره القلب ، والجوارح لا تنفعل إلا بما شُحِن به القلب من عقائد . ويقول الحق سبحانه : { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ … } .