Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 96-96)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لم يكن ذو القرنين رجلاً رحالة ، يسير هكذا بمفرده ، بل مكَّنه الله من أسباب كل شيء ، ومعنى ذلك أنه لم يكن وحده ، بل معه جيش وقوة وعدد وآلات ، معه رجال وعمال ، معه القوت ولوازم الرحلة ، وكان بمقدوره أنْ يأمرَ رجاله بعمل هذا السدِّ ، لكنه أمر القوم وأشركهم معه في العمل لِيُدرِّبهم ويُعلِّمهم ما داموا قادرين ، ولديهم الطاقة البشرية اللازمة لهذا العمل . والحق - تبارك وتعالى - يقول : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا … } [ الطلاق : 7 ] فما دام ربك قد أعطاك القوة فاعمل ، ولا تعتمد على الآخرين لذلك تجد هنا أوامر ثلاثة : أعينوني بقوة ، آتوني زبر الحديد ، آتوني أفرغ عليه قطراً . زبر الحديد : أي قطع الحديد الكبيرة ومفردها زُبْرة ، والقِطْر : هو النحاس المذاب ، لكن ، كيف بنى ذو القرنين هذا السد من الحديد والنحاس ؟ هذا البناء يشبه ما يفعله الآن المهندسون في المعمار بالحديد والخرسانة لكنه استخدم الحديد ، وسَدَّ ما بينه من فجوات بالنحاس المذاب ليكون أكثر صلابة ، فلا يتمكن الأعداء من خَرْقه ، وليكون أملسَ ناعماً فلا يتسلقونه ، ويعلُون عليه . فقوله : { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ … } [ الكهف : 96 ] الصدف : الجانب ، ومنه قوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا … } [ الأنعام : 157 ] أي : مال عنها جانباً . فمعنى : ساوى بين الصدفين . أي : ساوى الحائطين الأمامي والخلفي بالجبلين : { قَالَ ٱنفُخُواْ … } [ الكهف : 96 ] أي : في الحديد الذي أشعل فيه ، حتى إذا التهب الحديد نادى بالنحاس المذَاب : { قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [ الكهف : 96 ] وهكذا انسبكَ الحديد الملتهب مع النحاس المذَاب ، فأصبح لدينا حائطٌ صَلْبٌ عالٍ أملس . لذلك قال تعالى بعدها : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ … } .