Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لماذا تكلم الحق سبحانه هنا عن نفي الولد بالذات ؟ قالوا : لأن مسألة الشريك لله تعالى تُنفَى بأولية العقل ، فإنْ كان كُلُّ إله صالحاً للفعل وللترك ، فهذه صورة مُكرّرة لا تناسب الإله ، وإنْ كان هذا إلهاً لكذا وهذا إله لكذا ، فما عند أحدهما نقص في الآخر ، وهذا محال في الإله ، ولو أن هناك إلهاً آخر لذهب كل منهما بجزء ، كما قال سبحانه : { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ المؤمنون : 91 ] . لذلك نفى مسألة الولد لأنها ذات أهمية خاصة بالنسبة لقصة عيسى عليه السلام لأن الولد من الممكن أنْ يُستبعَد فيه الدليل ، لماذا ؟ لأن دليله اتخاذُ الولد أو حُبُّ الولد ، والإنسان يحب الولد ويسعى إليه ، لماذا ؟ قالوا : لأن الإنسان ابْنُ دنياه ، وهو يعلم أنه ميت ميت ، فيحبّ أن يكون له امتداد في الدنيا وذِكْر من بعده ، فالإنسان يتمسّح في الدنيا حتى بعد موته ، وهو لا يدري أن ذِكْر الإنسان لا يأتي بعده ، بل ذِكْره يسبقه إلى الآخرة بالعمل الصالح . إذن : فحبُّ الولد هنا لاستدامة استبقاء الحياة ، وهذا مُحَال في حَقِّ الله تبارك وتعالى لأنه الباقي الذي لا يزول . وقد يتخذ الولد ليكون عِزْوة لأبيه وسَنداً ومُعِيناً ، وهذا دليل الضَّعْف ، والحق سبحانه هو القويّ الذي لا يحتاج إلى معونة أحد . إذن : فاتخاذ الولد أمر منفيّ عنه تبارك وتعالى ، فهو أمر لا يليق بمقام الألوهية ، ويجب أنْ تُنزِّه الله تعالى أن يكون له ولد لذلك يقول تعالى بعدها : { سُبْحَانَهُ … } [ مريم : 35 ] . وسبحان تدل على التنزيه المطلق لله تعالى تنزيهاً له في ذاته ، وفي صفاته ، وفي أفعاله ، فهو سبحانه ليس كمثله شيء ، وإنْ وجدتَ صفة مشتركة بينك وبين الله كأنْ يكونَ لله تعالى وجه ويد ، ولكَ وجه ويد ، فإياك أنْ تنزل بالمستوى الأعلى فتقول : وجهه كوجهي ، أو يده كيدي ، لأن لك وجوداً ولله تعالى وجود ، فهل وجودك كوجود الله ؟ وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم ، ووجوده تعالى لم يُسبَق بعدم ولا يلحقه العدم ، فعليك - إذن - أن تقول في مثل هذه المسائل : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] . والمتتبع لمادة سَبَّح في القرآن الكريم يجد أنها جاءت بكل الصِّيَغ : الماضي : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الحديد : 1 ] . والمضارع : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ الجمعة : 1 ] . والأمر في : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [ الأعلى : 1 ] . فما دام الكون كله سبَّح لله ، ولم ينقطع عن تسبيحه ، بل ما زال مُسبِّحاً ، فلما خلق الخلق أمرهم بالتسبيح لأنهم جزء من منظومة الكون المسبّح ، وعليهم أنْ ينتظموا معه ، ولا يكونوا نشازاً في كون الله . أما المصدر سبحان فقد جاء ليدل على التنزيه المطلق لله تعالى ، حتى قبل أن يخلق الخَلْق ، التنزيه ثابت له تعالى قبل أنْ يخلق مَنْ يُنزِّهه كما في قوله تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ … } [ الإسراء : 1 ] . لأن المسألة عجيبة وفوق إدراك العقل ، فقد جاء بالمصدر سبحان الدالّ على التنزيه المطلَق لله ، كأنه تعالى يُحذّر الذين يُحكِّمون عقولهم ، ولا يُحكِّمون قدرة الله الذي خلقهم بقانون الزمان والمكان والبُعْد والمسافة ، فكُلُّ فعل يتناسب قوةً وقدرةً مع فاعله . ثم يقول تعالى : { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ مريم : 35 ] ذلك لأن الآية في خَلْق عيسى عليه السلام مخالفة للنواميس كلها ، وخارقة للعادة التي أَلِفها الناس ، فإياك أنْ تتعجب من فِعْل الله تعالى في يحيى ، حيث جاء به مع عطب الآلات ، أو تتعجب من خَلْق عيسى حيث جاء به مع نقص الآلات . وإياك أنْ تتعَجَّب من كلام عيسى وهو في المهد صَبِياً ، فهي أمور نعم خارقة للعادة وللنواميس ، فخُذْها في إطار سبحانه وتنزيهاً له لأنه تعالى إذا أراد شيئاً لا يعالجه بعمل ومُزاولة ، وإنما يعالجه بكُنْ فيكون . ولا تظن أن خَلْق الأشياء متوقف على هذا الأمر كُنْ ، فإن كان الفعل مُكوّناً من كاف ونون فقبل أن تنطق النون يكون الشيء موجوداً ، لكن كُنْ هو أقصر ما يمكن تصوُّره لنا ، والحق سبحانه يخاطبنا بما يُقرِّب هذه المسألة إلى عقولنا ، وإلا فإرادته سبحانه ليستْ في حاجة إلى قول كُنْ فما يريده الله يكون بمجرد إرادته . كما أنك لو أمعنتَ النظر في قوله تعالى : { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ … } [ مريم : 35 ] تجد يقُولُ لَهُ أي : للشيء ، فكأن الشيء موجود بالفعل ، موجود أزلاً ، فالأمر بكُنْ ليس لإيجاده من العدم ، بل لمجرد إظهاره في عالم الواقع . ثم يقول : { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ … } .